في عالم يزداد ترابطا وتعقيدا بفعل التقنيات الحديثة، أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية.
ولكن في الوقت ذاته، باتت هذه المنصات تنتهك خصوصيتنا، وتؤثر في انفعالاتنا، وتتدخل في شؤوننا الشخصية بطرق لم يكن أحد ليتخيلها قبل سنوات قليلة.
في عالم يزداد ترابطه وتعقيده بفعل التقنيات الحديثة، أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية، ولكن في الوقت ذاته، باتت هذه المنصات تنتهك خصوصيتنا، وتؤثر في انفعالاتنا، وتتدخل في شؤوننا الشخصية بطرق لم يكن أحد ليتخيلها قبل سنوات قليلة.
واليوم، لا يخفى على أحد أننا نعيش وسط ثورة رقمية فرضتها التطورات السريعة في مجالات الذكاء الاصطناعي، والأمن السيبراني، والحوسبة السحابية، مما جعل الحاجة إلى حماية بياناتنا وأمننا الرقمي أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى.
كما أن أطفالنا اليوم في مرمى الخطر الرقمي؛ فمن أخطر تداعيات هذه الطفرة التكنولوجية التأثيرُ السلبيُّ في الأطفال الذين أصبحوا عرضة لمخاطر غير مسبوقة بسبب ارتباطهم الكبير بالأجهزة الذكية، في ظل غياب رقابة كافية من الأهل، الذين أصبحوا هم كذلك منشغلين بهواتفهم المحمولة.
وهنا لا بد أن أشير إلى إحدى الإحصائيات الصادمة التي كشف عنها موقع «فيسبوك»، إذ بيّنت أن أنظمته الذكية رصدت أكثر من تسعة ملايين صورة إباحية للأطفال خلال ثلاثة أشهر فقط، وهو رقم «مفزع» يعكس حجم التهديدات التي يتعرض لها الأطفال حول العالم، مما يستدعي اتخاذ إجراءات سريعة لحماية الأجيال القادمة من الوقوع ضحايا للاستغلال الرقمي والجرائم الإلكترونية.
وفي سياق موازٍ، لطالما رُوِّج لفكرة أن التكنولوجيا الحديثة تجعل العالم أكثر شفافية، كما قال الكاتب الأمريكي رالف إليسون: «الحاسوب سيجعل العالم شفافًا». لكن، ورغم الإيجابيات العديدة التي توفرها التقنيات الرقمية في تسهيل تبادل المعلومات وتعزيز التواصل، فإن هذه الشفافية قد تتحول إلى كشف غير مرغوب فيه، يجعل المستخدمين عرضةً للاستغلال من قِبَل الشركات، والمعلنين، والعصابات الإجرامية التي تتلاعب بالبيانات وتستغل المعلومات لتحقيق مصالحها الخاصة.
لذلك، لا يجب أن ننظر إلى التكنولوجيا بعيون المتفائلين فقط، بل يجب أن نكون واعين بالجانب المظلم الذي قد يهدد خصوصيتنا وأمننا الشخصي، لا سيما في ظل تطور تقنيات تحليل البيانات والذكاء الاصطناعي، التي تستطيع التنبؤ بتصرفات الأفراد والتأثير في قراراتهم وسلوكياتهم من دون أن يشعروا بذلك. فمع التوسع الهائل في الاستخدام الرقمي، باتت الجريمة الإلكترونية أكثر تعقيدًا، وتطورت لتشمل جرائم أكثر خطورة مثل الابتزاز الإلكتروني، وسرقة الهوية، والتجسس الرقمي.
واستجابةً لهذه التحديات، سعت العديد من الدول إلى وضع أطر قانونية صارمة لمكافحة هذه الجرائم، من خلال سنّ قوانين الجرائم الإلكترونية التي تهدف إلى تنظيم الأفعال غير المشروعة في الفضاء الرقمي ومعاقبة مرتكبيها. ولأن الشيءَ بالشيءِ يُذكَر، فإن واحدة من الدول التي تناولتها خلال دراساتي حول هذا الموضوع هي دولة الإمارات، التي تأتي اليوم في طليعة الدول في التشريعات الرقمية وتُعَدُّ نموذجًا عالميًّا في تبنّي أحدث الحلول التقنية، إذ تحولت إلى مركز إقليمي للابتكار الرقمي والذكاء الاصطناعي، مما عزز مكانتها كمحور رئيسي في مجال التحول الرقمي.
ودائمًا ما أقول، رغم أهمية القوانين، فإن العامل الأكثر تأثيرًا يبقى «الوعي الرقمي»؛ فالتكنولوجيا قد تكون بمثابة «دوبامين رقمي»، يدفع المستخدمين إلى الإدمان من دون أن يشعروا، مما يجعل من الضروري تبنّي استراتيجيات ذكية لحماية أنفسنا وأطفالنا من الاستغلال الرقمي، حتى نرتقي بمجتمعاتنا ونحافظ عليها من الاستغلال والإساءات وانتشار الجريمة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة