تحتضن مدينة هاربين الصينية دورة الألعاب الآسيوية الشتوية التاسعة تحت شعار «الجليد والأحلام المشتركة، آسيا بقلب واحد»، وهو ليس مجرد عبارة جميلة، بل يعكس رؤية أعمق لوحدة شعوب آسيا من خلال الرياضة، وتعزيز التعاون والسلام والتنمية في المنطقة.
هذه الدورة تُعدّ الأكبر في تاريخ البطولة، حيث يشارك أكثر من 1200 رياضي من 34 دولة ومنطقة، مما يجعلها حدثًا بارزًا في تاريخ الرياضات الشتوية الآسيوية.
مثلما يعكس الجليد النقاء والشفافية، تمثل الرياضة وسيلة قوية لتعزيز التفاهم بين الشعوب وتجاوز الحواجز الثقافية والسياسية. وفي ظل التعقيدات التي يشهدها العالم، تبدو آسيا بحاجة ماسة إلى مزيد من التضامن لمواجهة التحديات المشتركة، سواء في الأمن أو التنمية أو التغير المناخي.
وفي كلمته الترحيبية، شدد الرئيس الصيني شي جين بينغ على أن الرياضة ليست مجرد ميدانٍ للمنافسة، بل هي جسر للحوار والتعاون.
وأكد أن دورة الألعاب الآسيوية الشتوية في هاربين تمثل فرصة لتعزيز التفاعل بين الدول الآسيوية، وتقديم نموذجٍ للتعاون المبني على التفاهم والاحترام المتبادل.
وعبر التاريخ، أثبتت التجربة أن التعاون الرياضي يساعد الدول على بناء علاقات أكثر استقرارًا، وهذا ينطبق بشكل خاص على آسيا، التي تزخر بتنوعٍ ثقافي وحضاري هائل، مما يجعل الرياضة أداةً مثالية لتعزيز التآخي والتواصل بين شعوبها.
من أبرز ملامح هذه الدورة المشاركة التاريخية لدولة الإمارات العربية المتحدة، حيث أرسلت 7 رياضيين للمنافسة في التزلج على المنحدرات، والتزلج الحر، والتزلج على الألواح.
وتمثل هذه البعثة أكبر مشاركة إماراتية في تاريخ البطولة. ورغم أن دولة الإمارات معروفة بمناخها الصحراوي الحار، فإنها استثمرت بشكلٍ ملحوظ في تطوير الرياضات الشتوية، من خلال إنشاء مرافق عالمية مثل «سكي دبي»، وتعزيز الشراكات مع الاتحادات الرياضية الدولية، مما يعكس طموحها في توسيع حضورها في الرياضات الشتوية.
لا تقتصر أهمية هذه البطولة على الجانب الرياضي فحسب، بل تمتد إلى دعم التنمية الاقتصادية وتعزيز التعاون الإقليمي. فمنذ نجاح دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في بكين، شهدت آسيا ازدهارًا كبيرًا في قطاع الرياضات الجليدية، مما ساهم في تنشيط السياحة الشتوية، وتحفيز الاستثمار في البنية التحتية الرياضية.
وقد أظهرت التجربة الصينية أن الرياضة يمكن أن تكون محرّكًا اقتصاديًا قويًا. فبعد أولمبياد بكين الشتوي، شهدت الصين طفرة في صناعة الرياضات الشتوية، مع زيادة الإقبال على التزلج والتزلج على الجليد، وتطور التكنولوجيا المستخدمة في هذا القطاع. واليوم، تسير هاربين على هذا المسار، حيث أصبحت الرياضة عاملًا رئيسيًا في تحفيز النمو الاقتصادي وتعزيز الشراكات الدولية.
في مدينة هاربين، يمتزج الطابع الآسيوي في كل تفاصيل البطولة، بدءًا من الاحتفالات الافتتاحية التي تعكس التراث الآسيوي، وصولًا إلى «عالم الجليد والثلج»، حيث تجسد المنحوتات الجليدية معالم شهيرة من مختلف الدول الآسيوية، مثل معبد السماء في الصين، وبرج خليفة في دولة الإمارات.
هذا المزج بين الرياضة والثقافة يعزز الشعور بالانتماء إلى «آسيا واحدة»، حيث يجتمع الرياضيون والمشجعون من مختلف البلدان لتبادل التجارب والتعرف على التقاليد المتنوعة، مما يسهم في بناء جسور التفاهم والتعاون.
ومع إشعال شعلة الألعاب الآسيوية الشتوية في هاربين، نشهد تجسيدًا حقيقيًا لشعار الدورة: «آسيا بقلبٍ واحد».
فالرياضة ليست مجرد منافسة على الميداليات، بل هي وسيلة لتعزيز الوحدة والتفاهم المشترك، وترسيخ قيم التعاون بين الدول الآسيوية.
من خلال هذه البطولة، يتجلى كيف يمكن للرياضة أن تتجاوز الحدود الجغرافية والثقافية، لتجمع بين الشعوب تحت رايةٍ واحدة، هي راية السلام، والتنمية، والاحترام المتبادل.
ومع تزايد الاهتمام بالرياضات الشتوية في آسيا، تبدو هذه الألعاب بمثابة انطلاقةٍ جديدةٍ نحو مستقبلٍ مشترك، حيثُ الجليدُ يجمعُنا، والأحلامُ توحّدُنا، وآسيا تنبضُ بقلبٍ واحد.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة