الحج بالنسبة للسعودية يمثل حدثا سنويا محوريا تبذل من أجله كل الجهود التي تعمل على مدار العام خدمة للحرمين الشريفين.
كان بالإمكان إقامة حدث مثل الهاكاثون العالمي الذي احتضنته المملكة لخدمة أي قطاع من القطاعات؛ الاقتصاد، الترفيه، النقل، أو غيرها من الأنشطة والقطاعات، لكن ذلك سيجعل منه مجرد نشاط يمكن أن يقام مثله في كوريا أو لوس أنجلوس، لكن اختصاصه بالحج جعله حدثا سعوديا بامتياز وجعله حدثا عالميا كذلك.
يمثل الحج بالنسبة للسعودية حدثا سنويا محوريا تبذل من أجله كل الجهود التي تعمل على مدار العام خدمة للحرمين الشريفين اللذين اختص الله المملكة بشرف خدمتهما، طالما مثل ذلك مسؤولية تديرها المملكة بكل اقتدار وطالما مثل ذلك أيضا مدخلا للأعداء والمتربصين الذين أرادوا تحويل هذا الشرف إلى عائق حضاري عن التقدم والانفتاح والمدنية تحت دعاوى أن بلادا تضم الحرمين الشريفين يجب أن تظل ضمن قالب واحد جامد لا يتطور.
من أبرز الجوانب التي يمكن ملاحظتها في هاكاثون الحج أنه فتح أبوابه لكل العالم من كل الجنسيات والأعراق والديانات؛ والقيمة الحضارية الكبرى التي يمثلها هذا الجانب ذلك التجسيد الفعلي لإنسانية العلوم والمعارف والتقنيات وأنها لا تخص ثقافة أو عرقية بعينها بل كل العالم شركاء بها
لم نلتفت أبدا لهذا الرأي وأدركنا أن الحرمين الشريفين على العكس من ذلك تماماً، إنهما يمثلان وعبر التاريخ أبرز محفز للتعايش والتنوع والاعتدال، لم نصغ إليهم والتفتنا للقيم الحضارية الكبرى التي يمثلها الحرمان الشريفان وواصلنا العمل بكل اقتدار.
لكن التحول الكبير والمحوري الذي تشهده المملكة اليوم لا بد أن يخصص جانبا واسعا من اهتمامه ورؤيته لاستمرار وتطوير الخدمة والعناية الدائمة المقدمة لمكة والمدينة وللحج والعمرة.
منذ إطلاق رؤية المملكة ٢٠٣٠ ونحن نتحدث لغة جديدة ونحمل تطلعا جديدا تتبدى آثاره في كل شيء، بل لقد انتقلت هذه اللغة إلى الإقليم المحيط بِنَا وباتت تمثل ثقافة جديدة في المنطقة العربية التي طالما أرهقتها ثقافة التطرّف والعنف والطائفية، هذه الثقافة الجديدة صنعنا من خلالها رؤية جديدة في إدارة التطور وصناعته.
ويمثل هاكاثون الحج جملة مِن القيم والأفكار العميقة المؤثرة التي تعكس واقع السعودية الجديد والعالمي والمستقبلي:
• المملكة تحشد أهم العقول في العالم لخدمة الحدث الأبرز الوحيد في العالم والذي يقام على أراضيها فقط، وتجعل منه مساحة كبرى للعمل والابتكار والتطوير، وإذا كنا قد قدمنا للحج أعظم التقنيات في الإسكان والسلامة والنقل وإدارة الحشود، فقد حان الوقت الذي يجب أن نوظف كل العقول المتميزة محليا وعلميا لبناء خدمات تقنية وإلكترونية تسهم في ارتفاع مستوى الخدمات واستمرار تطورها وانتقالها لمرحلة جديدة.
• من أبرز الجوانب التي يمكن ملاحظتها في هاكاثون الحج أنه فتح أبوابه لكل العالم من كل الجنسيات والأعراق والديانات؛ والقيمة الحضارية الكبرى التي يمثلها هذا الجانب ذلك التجسيد الفعلي لإنسانية العلوم والمعارف والتقنيات وأنها لا تخص ثقافة أو عرقية بعينها بل كل العالم شركاء بها، وحين يكون هذا الحدث لخدمة الحج فإنه يعكس جانبا من شخصية السعودية المتجددة التي تؤمن أن العالم الحر بات يفكر بلغة ومنطق جديدين تتراجع معها حدود التصنيف وتتسع فيه آفاق الشراكة.
• يؤسس هاكاثون الحج لارتباط جديد بين المملكة وبين مختلف الأوساط الشابة حول العالم، تلك الأوساط التي في الغالب تدير وتؤسس لمستقبل نوعي متطور في البرمجيات والتقنيات الرقمية المذهلة، وتؤسس لهم المنصة الأضخم لإبراز وتقديم مواهبهم وقدراتهم لخدمة الحدث العالمي الأضخم وهو الحج، هؤلاء الشباب اليوم باتوا يلمسون عن قرب ما الذي تعنيه الرؤية السعودية وكيف تتشكل هذه الروح الجديدة في كل أشكال الحياة في المملكة.
في الواقع، ومنذ إعلان إنشاء الاتحاد السعودي للأمن السيبراني والبرمجة والدرونز، ظن البعض أنه سيكون مؤسسة تقنية نخبوية ذات إيقاع غير مرتبط بالشارع ومحدود الانتشار، لكن الذي حدث كان متجاوزا لكل التوقعات؛ الفعاليات والأحداث والبرامج التي أطلقها الاتحاد كانت نوعية بكل المقاييس والاتجاه الإيجابي نحو بناء منصة حقيقية للشباب السعودي تدريبا ودعما وتأهيلا وتنافسا أبرزت محورية الاتحاد ودوره المستقبلي.
دخل هاكاثون الحج موسوعة جينيس للأرقام القياسية كأكبر حدث عالمي في هذا المجال، ولأن السعودية الْيَوْمَ كلها تفكر خارج الصندوق وتتطلع نحو المستقبل، يمكننا القول إن هذا الاتحاد الجديد تمكن من بناء نموذج سعودي حقيقي ومؤثر يفكر خارج الصندوق ويتطلع نحو المستقبل ويجعل من العقول السعودية أبرز مكامن قوته واستمراره.
نقلا عن "عكاظ"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة