ريم يسوف: لوحات "حكاية قبل النوم" ردٌ على العنف في حياتنا
لوحات المعرض جزء من مشروع بدأته الفنانة السورية ريم يسوف تأثرا بالتحولات الحاصلة، الهجرة والموت بسبب الحرب الدموية الدائرة في سوريا
عن معرضها "حكاية قبلَ النوم"، الذي أقيم مؤخراً في جاليري المشرق بالعاصمة الأردنية عمّان، قالت الفنانة التشكيلية السورية ريم يسوف (من مواليد 1979) في حديث خاص لـ "بوابة العين الإخبارية"، إلى أن لوحات هذا المعرض جزء من مشروع بدأته تأثراً ورداً على تحوّل حياتنا بعد الهجرة والموت بسبب الحرب التي وصفتها بالدموية والنفسية والأخلاقية، وردًا على ما يتكرر به التاريخ من حقيقة الحروب وأسبابها، إلى حكايات تتناقلها محطات ومواقع إخبارية يومية وتتسابق عليها، لنتحول إلى سلع وحكايات لا معنى لها إنسانياً، نتناقلها قبل النوم ومع الطعام لتصير من الحالات الاعتيادية اليومية لنا.
وتابعت يسوف "هو مشروع يحمل الوجهين بمعنى الفكرة وسببها، فالأول استهزائي لما وصلنا إليه كقصص تحكى ويتداولها العالم، ولا تترك أثراً فعلياً للعمل على إنسانيتنا، ووجه توثيقي كأي عمل يحمل معنى اليوم لي كفنانة تحمل معها جغرافيتها وذاكرتها أينما حلت على أرض بعيدة كانت أو قريبة".
وعن سؤالنا لها عن مستوى تقبل الجمهور للفن الذي يعتمد على العلاقات اللاعقلانية والتقابل اللغزي للأشياء، بيّنت يسوف، الحاصلة على شهادة "شرف" للفنون التشكيلية من المركز العالمي للإبداع 2010، أن التقبل يعتمد على مرجعيات عديدة وأن أهمية الموضوع يعود للمتلقي، ولكن بالشكل العام الرموز تحاكي ببساطة طرحها الزوايا الشخصية لكل منا، والمتعلقة بأسلوب التبسيط ومروءة من ذاكرة الطفولة لدينا، فإيمانها يتعلق بمرور المتلقي أمام العمل وأن يتوقف على تساؤلات، إن كانت تقنية أو فكرية، فهذا نوع من اقترابي إلى هدف العمل الفني بالعموم.
وحول تأثر الفن التشكيلي بالأحداث السياسية الراهنة "الربيع العربي"، وإن كان ثمة استعجال في ذلك من قبل الفنانين، تقول: "لا يمكن أن نعزل الفنان عن رحم مجتمعه، تأثراً وثقافة ومرجعيات وحراكاً أو تغييراً، وخاصة بالتجارب التي تخضع للبحث، فلقد حرّضت الثورات العربية وما يحدث بالعالم الفنانين على غزارة الإنتاج والتجربة واستخدام جميع أنواع الفنون من بدائيتها حتى أحدثها، للتعبير عن ما يدور على المستوى الشخصي والعام، فلا يمكن أن ندعوه بصفة الاستعجال، فأرى الاستعجال في حالة الفرز والتنبؤ المسبق للنتيجة".
وعن مدى أهمية هذه التجارب، وإن كان النص البصري المنجز يوازي بأهميته الحدث فنياً أم أنه سقط على حساب الموضوع، توضح يسوف، التي عاشت منذ عام 2012 في الأردن وهي أحد مؤسسي مهرجان خان الفنون في الأردن منذ بدايته منذ 2014، "لا يمكن نكران حالة الإرباك البصري والفكري الذي انعكس على الفنان والمتلقي بصورة ضاغطة ومفاجئة أحياناً إن كانت بسلبيتها أو إيجابيها، وخاصة بسهولة استخدام مواقع التواصل الاجتماعي والنشر، فهي بكل الأحوال قد وثقت مرحلة بشكل مباشر، وما عبر عنه الفن التشكيلي على مختلف المستويات الفكرية هو مخاطبة المتلقي الأبعد جغرافياً وثقافياً فالوقت كفيل لكل تجربة فنية أو أدبية تمر بها مجتمعاتنا".
الأطفال، الطائرات الورقية، طيور السنونو، مغلفات البريد.. تكاد تكون موجودة في معظم اللوحات التي ضمها معرضها، كذلك استخدامها للأبيض والرمادي والألوان الترابية إلى حد ما طاغية على غيرها، وتكشف يسوف أن أعمالها منذ 2011 انتقلت بصرياً ما بعد الثورة، إلى فكرة الصوت الواحد بلون واحد، من خلال البحث عن أهميته تقنياً وتعبيرياً، وما يحتوي من انعكاسات وحياة، إضافة إلى ألوان حقيقية خُلقنا منها، وتمثل أجسادنا وهوائنا وأرضنا.
تقول يسوف "ورقة بيضاء أفتتح بها يومي بفكرة وعبارة بصرية جديدة، أو صوت تاريخ حدث، ورسالة لمن أحببتهم فكانت ثورة لكل لون مباشر، رداً على عنف بصري مباشر في حياتنا، أما بخصوص الرموز المستخدمة فكانت أدواتي الحالية للتعبير عما يدور داخل حياتي اليومية، تأثراً من تطورات الحدث اليومي وارتباطاً بذاكرة الطفولة التي تعيدني دوماً لإعادة حسابات المفهوم الواقعي بطريقة مختلفة".
وسألنا يسوف الحاصلة على بكالوريوس كلية الفنون الجميلة قسم الرسم (التصوير) من جامعة دمشق سنة 2000 عن مدى استفادة الفن التشكيلي من الفنون الأخرى، فأجابت: "علاقة الفنون لا يمكن فصلها بصرياً أو لغوياً أو سمعياً، فهي انعكاس لمرحلة تاريخية ثقافية بمجموعة الحراك الثقافي بزمن معين، وانعكاسه على المجتمع وتوثيقه، وقد أرّخت عبر التاريخ العديد من علاقات شخصية بين فنانين وأدباء وموسقيين، والنتائج كانت مذهلة بينهم من خلال تفاصيل هذه التجارب".
وعن تجاربها الفنية مع الشعر، لفتت إلى أنها ترجمت من خلال العديد من أعمالها باللون والكلمة بعض الأعمال الشعرية، فلا يمكن، بحسب يسوف، دخول عالم فنان دون ملاحظة أثر للكتاب والموسيقا كجزء رئيسي بحياته ومرسمه الخاص.
ختاماً، تحدثت الفنانة السورية عن مسارات الفن التشكيلي العربي، وعن مصادر الفنان التشكيلي عامة، قائلة: "يمكن قراءة حركة الفن التشكيلي من خلال هموم وأفراح وحاجة وثقافة الواقع السياسي والاقتصادي العربي وتأثير هذا الواقع بالشكل المباشر على الفنان كجزء أساسي من بنية المجتمع العربي، والتعبير من خلال صعوبة الحياة والاستمرارية الفنية تحت ظروفها، إضافة لهجرة العديد من الفنانين وخصوصاً الشباب منهم الأمر الذي خلق عالماً إضافياً لعالمهم، فأتاحت لهم فرص الاطلاع على ثقافات مختلفة وتجارب عديدة للفن الحديث والتواصل المباشر مع أعمال تاريخية بعالم الفن شكلت إضافة غنية لمرجعياتهم الفنية ولتجاربهم، وتحدياً كبيراً على عاتق الفنان بخلق علاقة ما بين التجربة الشخصية وخلق مكان لتجربته بعالم الفن بعيداً عن وطنه".