أكتب هذا المقال وحتى هذه اللحظة لم تعلن أي من الدول الخليجية الثلاث عن تسلمها الدعوة الكويتية لحضور القمة الخليجية
أكتب هذا المقال يوم السبت الساعة السادسة صباحاً، وحتى هذه اللحظة لم تعلن أي من الدول الخليجية الثلاث عن تسلمها الدعوة الكويتية لحضور القمة الخليجية، كما لم يعلن أيٌّ منها قبول الدعوة، وإلى حين نشر المقال غدا الأحد قد يستجد في الأمور أمور.
ما حدث في اليومين السابقين كان مثيراً للاهتمام، حيث تراكمت الغيوم لتحجب الرؤيا، وتسارعت الأحداث وصوَّر لنا الإخوة في الكويت أن الأمور حُسِمت، والأزمة في طريقها إلى الحل والغيوم انقشعت فجأة، وأعلنوا أن الحضور مكتمل النصاب وعلى أعلى مستوى، ثم تمر ثمانٍ وأربعون ساعة، ليتضح أن الدول الخليجية الثلاث ليست في عجلة من أمرها، وأن هناك نقاطا يجب أن تُحسَم قبل إعلان الموافقة النهائية على قبول الدعوة، رغم أن قطر سارعت بالإعلان عن تلقي الدعوة وظهر أميرها فرحاً مبتسماً على شاشات التلفزيون.
ما تم تداوله خلال الثماني والأربعين ساعة هو أن الأمير القطري سيعتذر علناً على ما بدر من قطر، وأن ذلك الاعتذار كاف لإنهاء الأزمة القطرية من وجهة نظر الجميع، كما روّج الإخوان في الكويت، لكن الدول الثلاث (السعودية والإمارات والبحرين) ليست في وارد الشكليات وأن ذلك ليس كافياً بالنسبة لهم بل غير مطلوب، وأن المسألة أكثر جدية، والتهديدات التي تعرضت لها الدول الثلاث تحتاج إلى معالجة جذرية تنهيها كي تستطيع هذه الدول أن تنهي مقاطعتها لقطر، بل إن عدم الثقة بسبب العودة المتكررة لقطر بعد كل اعتذار، وبعد كل تعهد تطلب هذه المرة وجود ضامن دولي لا خليجي فحسب، إذ إن المرة السابقة كان فيها اعتذار وفيها ضامن خليجي وهو الكويت، ومع ذلك نقضت قطر تعهدها وأبقت على مشروعها المهدد للأمن الدولي والإقليمي والخليجي.
قطر سواء اعتذرت أم لم تعتذر فإن ذلك لن يكون هو الحل، قطر كقيادة تحتاج إلى وقت حتى تتمكن من العودة إلى مزاجها الخليجي، بما فيه التخلي تماما عن مشروعها الذي أوغلت فيه
ثم تواترت الأنباء عن احتمال وجود وزير الدفاع الأميركي كضامن وشاهد على التعهد القطري الجاد هذه المرة، والمدرك بأن عودة الأمور لسابق عهدها ليست بالسهولة التي يتصورها...
والى حين نشر هذا المقال الله وحده العالم إلى أين سيتجه المسار، إنما تلك التسريبات تدل على الآتي:
قطر تريد أن تنهي الأزمة وبأي شكل ومطالبها تنحصر في التخريجة التي ممكن أن تحفظ لها ماء وجهها.
قد تكون التخريجة هي في كلمة اعتذار مُغلّفة بخطوط الرجعة والتمويه لتترك لإعلامها فرصة تخفيف الصدمة على المتلقي القطري، مع الأخذ في الاعتبار بأنه في الوقت الذي تناقش فيه قطر رضوخها لمطالب الرباعي تصعّد «الجزيرة» من هجومها عليهم، وهذا ما قاله وزير الدولة للشؤون الخارجية أنور قرقاش «التناقض هو أن تتنازل في الظلام خطوة تلو الأخرى وأن تنفذ المطلوب في الغرف المغلقة وأما في الشمس ترفع الشعارات الخاوية وتزايد وتكابر» ليتضح من خلال إعلان دولة الكويت أن قطر مستعدة لفعل أي شيء ينهي عزلتها، ودعكم من مهاترات قناة «الجزيرة» التي لا تزيد -من وجهة نظر قطر- عن ورقة مناورة.
في ذات الوقت قطر ستحاول من خلال الضغوط (الصديقة) أن تفكك الرباعي وتعزل مطالب مصر عن مطالب الدول الخليجية، فتؤخر المطالب الخاصة بجماعة الإخوان أو تطالب بالتدرج في تنفيذ ما يتعلق بهم، لذا جاء بيان الإمارات في عيدها الوطني للتأكيد على أمن الشقيقة مصر وحمايتها من الإرهاب.
ما يستنتج من قطع الفسيفساء المسربة أن قطر أدركت جدية الدول الثلاث متأخرة؛ وتعرف جيدا الآن أن الدول الثلاث غير مستعجلة أبدا في إنهاء الأزمة القطرية، وأن جميع أنواع الضغط فشلت في ثنيها عن قرارها بما فيها ضغوط الشقيقة الكويت بخلق حالة شعبية تدفع باتجاه الحل بأي شكل وذلك لم يحدث، التوجس من قطر ما زال قائما وسيظل، حتى تعترف هذه الدولة بمسؤوليتها عن دعم الإرهاب، وتلتزم بألا تعود إليه.
تبين أن قطر ما زالت تحاول المناورة وإبقاء أي من الأبواب مفتوحا ليساعدها على خط الرجعة.
وتبين في ذات الوقت أن الدول الثلاث مصرّة على الضمانات أكثر من إصرارها على المصالحة، وهذا ما تبين خلال الثماني والأربعين ساعة التي تلت الإعلان عن توجيه الدعوة.
الأهم أنه تبين أن الشعوب الخليجية تملك وعياً بالأزمة القطرية وجادة هذه المرة كقيادتها، بعدم قبول أي حل وبتفهمها لما تشكله قطر من تهديد لأمنها بعدم التسرع في قبول أي تخريجة وجعلها تتأنى ولا تستجب للإلحاح بالاحتفاء والجري وراءه.
قطر سواء اعتذرت أم لم تعتذر فإن ذلك لن يكون هو الحل، قطر كقيادة تحتاج إلى وقت حتى تتمكن من العودة إلى مزاجها الخليجي، بما فيه التخلي تماما عن مشروعها الذي أوغلت فيه.
فمع تمنياتنا القلبية بانعقاد القمة وانقشاع الغمة إلا أن علينا ألا نتفاءل كثيرا، وألا نتنازل عن حق شعوبنا في أن تنعم بالأمن والأمان، وما يتطلبه ذلك من ضمانات لا تتوفر بالاعتذار.
نقلا عن "الشرق الأوسط"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة