خارطة طريق شاملة تقود إلى حلٍ عادلٍ ودائمٍ وشاملٍ للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي رسمتها الإمارات خلال كلمتها في مجلس الأمن الدولي الخميس.
ورغم أن الكلمة التي ألقتها الإمارات جاءت خلال التصويت على قرار يوصي الجمعية العامة بقبول دولة فلسطين عضوا في الأمم المتحدة، فإنه يتوقع إحباطه عبر فيتو أمريكي، وهو ما حدث بالفعل، إلا أن دولة الإمارات الحريصة على دعم القضية الفلسطينية على الدوام، آثرت تسجيل موقف تاريخي جديد داعم للقضية بشكل خاص، ولطريق السلام بشكل عام.
وأكدت دولة الإمارات للمجلس وللعالم أجمع في موقف قوي وواضح أن "منح فلسطين العضوية الكاملة يعد خطوة مهمة لتعزيز جهود السلام، حيث سيؤكد بذلك المجتمع الدولي التزامهُ -قولاً وفعلاً- بحل الدولتين كسبيلٍ وحيدٍ لإنهاء الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي".
جهود متواصلة.. واختراقات مستمرة
يأتي ذلك ضمن جهود إماراتية متواصلة لدعم فلسطين على مختلف الأصعدة السياسية والإنسانية، تكللت بنجاح دولة الإمارات في آخر أيام عضويتها بمجلس الأمن الدولي في ختام عام 2023 بتحقيق اختراق تاريخي عبر اعتماد المجلس قرارا إماراتيا حمل رقم 2720 يدعو إلى «اتخاذ خطوات جوهرية وملموسة لزيادة تدفق المساعدات الإنسانية التي يحتاج إليها الفلسطينيون بشدة في غزة، وحماية موظفي الأمم المتحدة والعاملين في المجال الإنساني على الأرض».
ويطلب القرار من الأمين العام للأمم المتحدة تعيين شخص في منصب "كبير منسقي الشؤون الإنسانية وشؤون إعادة الإعمار"، وكان أبرز نتائج هذا القرار على أرض الواقع ما يلي:
- تعيين الهولندية سيغريد كاغ في منصب كبير منسقي الشؤون الإنسانية وإعادة الإعمار في غزة ديسمبر/كانون الأول الماضي.
- تخصيص دولة الإمارات مبلغ 5 ملايين دولار لدعم جهود سيغريد كاغ في جهودها لتخفيف وطأة معاناة أهالي غزة، وتعزيز الاستجابة الإنسانية العاجلة لاحتياجاتهم.
أيضا توجت الإمارات جهودها الدبلوماسية والسياسية المتواصلة لدعم فلسطين، بإطلاق 14 مبادرة إنسانية لدعم أهل غزة والتخفيف من معاناتهم، أبرزها مبادرة "الفارس الشهم 3"، التي وجه الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة بإطلاقها في الـ5 من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي وتفرعت منها 10 مبادرات، تم خلالها نقل نحو 22300 طن من المساعدات الإغاثية.
مواقف وأرقام تؤكد التزام دولة الإمارات الراسخ بدعم فلسطين، القضية التي تعد أحد ثوابت سياستها الخارجية منذ تأسيسها، وحتى اليوم.
التصويت على العضوية
واستخدمت الولايات المتحدة الأمريكية حق النقض (الفيتو) ضد مشروع القرار ، فيما صوت لصالحه 12 عضوا من بين أعضاء المجلس الـ15، وامتنعت عن التصويت المملكة المتحدة وسويسرا.
في 2 أبريل/نيسان الجاري، أرسلت فلسطين إلى الأمين العام للأمم المتحدة رسالة تطلب فيها تجديد النظر في طلبها للانضمام إلى عضوية الأمم المتحدة، وهو طلب تم تقديمه أصلا عام 2011.
وبعد استلام الطلب، أحاله الأمين العام إلى مجلس الأمن، الذي تناول هذه المسألة في جلسة مفتوحة 8 أبريل/نيسان الجاري.
ويتمّ قبول دولة ما عضواً في الأمم المتحدة بقرار يصدر من الجمعية العامة بأغلبية الثلثين، ولكن فقط بعد توصية إيجابية بهذا المعنى من مجلس الأمن الدولي.
وتصدر التوصية عن مجلس الأمن بموجب قرار لا بدّ من موافقة تسعة على الأقلّ من أعضاء المجلس الـ15 عليه، وبشرط ألا تستخدم أيّ دولة دائمة العضوية حقّ النقض (الفيتو) لوأده.
وفي سبتمبر/أيلول 2011، قدّم رئيس السلطة محمود عباس طلباً "لانضمام دولة فلسطين إلى الأمم المتحدة".
وعلى الرّغم من أنّ مبادرته هذه لم تثمر، إلا أنّ الفلسطينيين نالوا في نوفمبر/تشرين الثاني 2012 وضع "دولة مراقبة غير عضو" في الأمم المتحدة.
والخميس 18 أبريل/نيسان الجاري اجتمع المجلس للتصويت على مشروع القرار، ورغم حصول القرار على أغلبية أعضاء المجلس، فإن استخدام الفيتو من الولايات المتحدة، وهي إحدى الأعضاء الخمسة الدائمين بالمجلس، حال دون اعتماد القرار.
موقف تاريخي.. وأسباب مهمة
ولم تكتف دولة الإمارات بدعوة جميع أعضاء مجلس الأمن إلى التصويت لصالح مشروع القرار الذي يوصي بمنح فلسطين العضوية الكاملة في الأمم المتحدة، بل قدمت دلائل وأسبابا وأسانيد تاريخية وقانونية تدعم تلك الدعوة.
وقال السفير محمد أبوشهاب المندوب الدائم لدولة الإمارات لدى الأمم المتحدة في هذا الصدد "حين اعتمدت الجمعية العامة القرار 67/19 في عام 2012 (بشأن منح فلسطين صفة دولة مراقب غير عضو في الأمم المتحدة)، معربةً عن أملها بأن يستجيب مجلس الأمن لطلب فلسطين بالحصول على العضوية الكاملة، كان واضحاً تأييد غالبية الدول الأعضاء لهذا الطلب، وذلك لاستيفاء فلسطين الشروط المطلوبة".
وتساءل: فما الذي ينتظرهُ هذا المجلس لدعم هذا الطلب؟.
وقدمت الإمارات قرائن وأسبابا عدة تؤكد ضرورة دعم هذا الطلب وهي:
• أثبتت فلسطين أنها عضو فاعل في المجتمع الدولي.
• يوجد 140 دولة تعترف بدولة فلسطين.
• لفلسطين سجل حافل بالمواقف التي تؤكد التزامها بميثاق الأمم المتحدة ودعم السلام، إلى جانب انضمامها للعديد من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية.
• تضطلع فلسطين بدورٍ فاعلٍ في المنظمات الإقليمية والدولية، خاصة في الأمم المتحدة، ومثال ذلك ترؤسها بنجاح مجموعة الـ77 والصين لعام 2019.
• منح العضوية الكاملة لفلسطين لا يمكن فصله عن الالتزامات التاريخية للأمم المتحدة، وبالأخص مجلس الأمن، تجاه الشعب الفلسطيني.
فقد التزمت هذه المنظمة، حين اعتمدت الجمعية العامة قرار التقسيم 181 (الصادر عام 1947)، بإنشاء دولتين في فلسطين، عربية ويهودية، وطلبت من مجلس الأمن اتخاذ الإجراءات اللازمة لتنفيذ هذا القرار، وفي حين تأسست الدولة الإسرائيلية بموجب القرار، لا يزال الشعب الفلسطيني ينتظر تأسيس دولته.
يأتي ذلك ضمن جهود إماراتية متواصلة لدعم فلسطين على مختلف الأصعدة السياسية والإنسانية، تكللت بنجاح دولة الإمارات في آخر أيام عضويتها بمجلس الأمن الدولي في ختام عام 2023 بتحقيق اختراق تاريخي عبر اعتماد المجلس قرارا إماراتيا حمل رقم 2720 يدعو إلى «اتخاذ خطوات جوهرية وملموسة لزيادة تدفق المساعدات الإنسانية التي يحتاجها الفلسطينيون بشدة في غزة، وحماية موظفي الأمم المتحدة والعاملين في المجال الإنساني على الأرض».
ظهر هذا الدعم بشكل جلي خلال الكلمة التي ألقاها السفير محمد أبوشهاب، المندوب الدائم للإمارات في الأمم المتحدة خلال كلمته في جلسة مجلس الأمن الدولي، التي خصصت للتصويت على مشروع قرار يوصي الجمعية العامة بقبول دولة فلسطين عضوا في الأمم المتحدة.
تحذيرات
وبعد أن قدمت الإمارات في كلمتها الأسباب التي حاولت من خلالها إقناع الأعضاء في مجلس الأمن الدولي بالموافقة على قبول دولة فلسطين عضوا في الأمم المتحدة، دعمت تلك الأسباب أيضا بتحذيرات مهمة، تبين بها التداعيات الدبلوماسية والإنسانية للتأخير في اتخاذا هذا القرار.
وقالت في هذا الصدد "لقد أثبتت الفترة الماضية أن اكتفاء المجتمع الدولي بإدارة هذا الصراع، بدلاً من اتخاذ خطواتٍ ملموسة للدفع نحو حله هو نهجٌ عقيم".
وبينت تداعيات هذا النهج من خلال:
- ما تواجهه غزة من حرب دامية راح ضحيتها أكثر من ثلاثين ألفاً، فيما يتعرض من بقي حياً للقصف، والمجاعة، والأمراض، وخطر التهجير.
- ما تشهده الضفة الغربية منذ عامين يعد الأكثر دموية منذ عقدين، بسبب استمرار إسرائيل في ممارساتها المجحفة بحق الشعب الفلسطيني.
وحذرت من أن "بقاء هذه الأوضاع على حالها لا ينبئ إلا باحتدام العنف، وجر المنطقة إلى مستويات جديدة من عدم الاستقرار".
وبينت أن "ما يحدث من تصعيدات في المنطقة خاصة خلال الأسابيع الأخيرة يؤكد ذلك".
أولويات
وشددت دولة الإمارات على أن مواجهة تيار العنف والتصعيد يتطلب من المجتمع الدولي، لا سيما مجلس الأمن، اتخاذ خطواتٍ مدروسةٍ بدقة لإيصال المنطقة إلى بر الأمان.
ووضعت قائمة بأولويات يجب اتخاذها وهي:
- يجب إطفاء فتيل العنف في أرجاء الأرض الفلسطينية المحتلة وإنهاء التصعيد في المنطقة، بما يشمل التوصل إلى وقفٍ فوري ودائم لإطلاق النار في قطاع غزة، وإنقاذ أرواح الناس من الهلاك جوعاً، ومواصلة الحوار والتفاوض واستخدام السبل الدبلوماسية لحل النزاعات سلمياً.
- يجب أن توقف إسرائيل جميع ممارساتها التصعيدية وغير الشرعية في الضفة الغربية والقدس الشرقية، وأن تضع حداً لعنف المستوطنين واعتداءاتهم المسلحة على القرى والمدن الفلسطينية كما حدث نهاية الأسبوع الماضي، مع محاسبة مرتكبي هذه الجرائم الخطيرة على أفعالهم.
- يجب أن نكون حازمين في مطالباتنا بضرورة التزام جميع الأطراف المعنية بالقانون الدولي، بما في ذلك القانون الدولي الإنساني، وأن تتخذ كافة الخطوات اللازمة لتنفيذ قرارات مجلس الأمن وآخرها القرارات 2712، و2720، و2728.
ويعني ذلك السماح بدخول المساعدات الإنسانية عبر كافة المعابر المتوفرة، وضمان توزيعها إلى وجهتها بأمان ودون عوائق، بما يشمل دعم جهود السيدة سيغريد كاغ، كبيرة منسقي الشؤون الإنسانية في غزة.
- ضمان استمرار وكالة الأونروا في جهودها الإغاثية التي لا غنى عنها.
- توفير الحماية للمدنيين، والعاملين في المجال الإنساني، وعدم استهداف المرافق المدنية، وفي مقدمتها المنشآت الصحية.
وأكدت الإمارات في هذا الصدد إدانتها الشديدة لمقتل عدد كبير من موظفي الإغاثة الإنسانية، بما في ذلك أثناء استهداف إسرائيل لقافلة تابعة للمطبخ المركزي العالمي، مما أثر بشكل كبير على العمليات الإنسانية في قطاع غزة.
الحل المستدام
وأكدت دولة الإمارات أن وقف جولات العنف المتكررة على نحو مستدام لن يكون ممكناً إلا عبر ما يلي:
- التوصل إلى حلٍ عادلٍ ودائمٍ وشاملٍ للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، وفقاً لخطة طريق قابلة للتنفيذ لحل الدولتين.
-ضمان عودة الأطراف إلى عملية تفاوضية تكون جادة وذات مصداقية ضمن إطار زمني واضح.
وأوضحت أن هذا "هو السبيل الوحيد لضمان أمن واستقرار وازدهار الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي والمنطقة بأكملها".
دعم تاريخي
موقف تاريخي عبر مجلس الأمن الدولي يعزز ريادة دولة الإمارات بقيادة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات، بدعم فلسطين بالأفعال والأقوال.
ومنذ بدء التصعيد الإسرائيلي في غزة 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي لم تتوقف جهود دولة الإمارات على مدار الساعة وعلى مختلف الأصعدة لوقف حرب غزة، وإعادة تصحيح المسار لتحقيق سلام شامل وعادل.
جهود انطلقت بقيادة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات، الذي لا يكاد يمر يوم منذ اندلاع حرب غزة دون أن يجري مباحثات واتصالات مع قادة ومسؤولي دول العالم، لبحث جهود وقف إطلاق النار في القطاع، وتعزيز المساعي المبذولة للاستجابة للأوضاع الإنسانية التي تزداد تفاقماً في غزة.
وقبل اندلاع التصعيد في غزة، اعتادت القيادة الإماراتية التوجيه بتقديم دعم ومساعدات للفلسطينيين، كان أحدثها التوجيه في 6 يوليو/تموز الماضي بمبلغ 15 مليون دولار لإعادة تأهيل المناطق المتضررة جراء الاعتداءات الإسرائيلية في جنين شمالي فلسطين آنذاك عبر وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا)، وذلك بعد شهر من تقديم 20 مليون دولار لدعم الوكالة نفسها مطلع يونيو/حزيران السابق له.
وتخلل هذا الدعم توجيه الشيخ محمد بن زايد آل نهيان بتقديم مبلغ 7.3 مليون درهم دعماً لبلدية مدينة الخليل الفلسطينية في منتصف يونيو/حزيران الماضي، وذلك بعد أن وجه في 16 مارس/آذار 2023، بتقديم 3 ملايين دولار لدعم إعادة إعمار بلدة حوارة الفلسطينية.
واستبق هذا الدعم الإغاثي والإنساني مساعدات إماراتية لفلسطين خلال الفترة من 2010 حتى 2021، بمبلغ 1.14 مليار دولار، منها مبلغ 254 مليون دولار لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين في الشرق الأدنى (الأونروا).