لا تكتفي دولة الإمارات العربية المتحدة باستقبال رؤساء الدول وفق البروتوكولات الرسمية، بل تحوّل كل زيارة إلى لحظة تاريخية تُطلق فيها مشاريع تتجاوز حدود الجغرافيا والزمن، لتخدم أجيالاً لم تولد بعد.
وهذا السلوك السياسي والفكري يعكس رؤية متقدمة تتقاطع مع “رؤية الإمارات 2071” التي تهدف لأن تكون الدولة الأفضل عالميًا.
تاريخ زيارات الرؤساء الأمريكيين للإمارات يقدم نموذجًا لهذا النهج. ففي عام 2008، وأثناء زيارة الرئيس جورج بوش الابن، لم تكتف الإمارات بعقد لقاءات سياسية، بل استعرضت مشروع “مدينة مصدر” للطاقة المتجددة، في وقت لم يكن فيه العالم يضع البيئة على رأس أولوياته. كان ذلك إعلانًا مبكرًا عن التزام الإمارات بالاستدامة كخيار استراتيجي.
وفي عام 2025، خلال زيارة الرئيس دونالد ترامب، اختارت الإمارات مرة أخرى أن تتحدث بلغة المستقبل، فأعلنت عن تدشين أكبر مجمع للذكاء الاصطناعي خارج الولايات المتحدة، واتفقت على استيراد مكونات تقنية متقدمة تُسهم في تطوير البنية التحتية للبيانات والتقنيات الحديثة، وأعلنت عن خطة استثمارية ضخمة بقيمة 1.4 تريليون دولار في الاقتصاد الأمريكي، تشمل قطاعات متعددة مثل الابتكار والتكنولوجيا والطاقة. لم تكن هذه مجرد صفقات، بل خطوات استراتيجية نحو بناء منظومة صناعية مستقبلية متكاملة.
وما ميّز هذه الزيارة أيضاً، هو تنوع البرنامج الرسمي المصاحب لها، والذي شمل زيارات إلى جامع الشيخ زايد الكبير، وقصر الوطن، والبيت الإبراهيمي. كان ذلك اختيارًا مقصودًا بعناية، يعكس فلسفة الإمارات المتكاملة: جامع الشيخ زايد كمحطة روحية تعبر عن التسامح الإسلامي، قصر الوطن كمركز للحكم الرشيد والرؤية السياسية، والبيت الإبراهيمي كمبادرة إنسانية عالمية ترسخ ثقافة التعايش بين الأديان. هذه الأماكن لم تكن مواقع زيارة فقط، بل رسائل حية تُجسّد ملامح الدولة: قيم، وقيادة، وإنسانية، ومستقبل.
إنها مشاريع تفتح آفاق تطوير الصناعات المرتبطة بالمستقبل، مثل التكنولوجيا المتقدمة، الطاقة المستدامة، والاقتصاد الرقمي، وتدفع نحو بناء أطر تشريعية وتنظيمية عالمية تحكم هذه التحولات. وهي تعكس حرص القيادة الإماراتية على أن تكون الدولة منصة عالمية للابتكار وصناعة التوجهات، لا مجرد مستقبل للتقنيات.
في الإمارات، حتى استقبال الرؤساء يحمل توقيعًا خاصًا. تتوقف الأقلام عند كل حدث كبير، لأن الفهم الحقيقي لا يكون لما حدث فقط، بل لما سيحدث لاحقًا. في هذه الدولة، السياسة متصلة بالعلم، والاقتصاد متصل بالقيم، والمستقبل يُصنع في كل لحظة قرار.
الإمارات ليست فقط في قلب الحدث، بل هي في قلب صناعته.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة