موقف الأمم المتحدة من العملية العسكرية والإنسانية للتحالف العربي لتحرير ميناء الحديدة يكشف بوضوح عن مفارقات دورها في اليمن.
الدور الذي تقوم به الأمم المتحدة في اليمن منذ انطلاق عملية "عاصفة الحزم"، ثم عملية "إعادة الأمل" التي يقودها التحالف العربي لاستعادة الشرعية بقيادة المملكة العربية السعودية في العام 2015 وحتى وقتنا هذا يثير عديدا من التساؤلات، ليس فقط لأن الأمم المتحدة لا تفرق بين "مليشيا الحوثي الإرهابية"، التي تقف وراء الأزمات الإنسانية والاقتصادية التي يشهدها اليمن الشقيق، وبين التحالف العربي الذي يعمل جاهداً لتخفيف معاناة الشعب اليمني وتقديم المساعدات اللازمة له، لتجاوز الأوضاع الإنسانية الصعبة التي يواجهها، وإنما أيضاً، وربما الأغرب، أنها تقف ضد المحاولات التي يقوم بها التحالف لتمكين الشعب اليمني من المساعدات الإنسانية التي تصل إليه، والتي تقوم مليشيا الحوثي الإجرامية بنهب جانب كبير منها.
ولعل موقف الأمم المتحدة من العملية العسكرية والإنسانية التي أطلقها التحالف العربي قبل أيام لتحرير ميناء الحديدة، استجابة لطلب الحكومة اليمنية الشرعية، يكشف بوضوح عن مفارقات دور الأمم المتحدة في اليمن، فقد حذرت الأمم المتحدة- ولا تزال- من عواقب أي هجوم عسكري أو حصار على مدينة الحديدة اليمنية، على حياة مئات آلاف المدنيين، متجاهلة أن مليشيا الحوثي الإرهابية تتحمل بشكل رئيسي تدهور الأوضاع الإنسانية ليس في الحديدة فقط، وإنما في باقي المناطق التي تسيطر عليها بل وتعمدها لعدم السماح بإدخال المساعدات إليها.
الأمم المتحدة الآن أمام اختبار حقيقي فإما أن تثبت بالفعل أنها مع الشرعية ومع الجهود التي يبذلها التحالف العربي لإعادة الأمن والاستقرار والأمل للشعب اليمني، وإما أن تظل في موقفها الغامض والمرتبك، وتشارك في استمرار وتعقيد الأزمة بدلاً من حلها
لقد جاءت عملية تحرير الحديدة ومينائها الاستراتيجي استجابة لأغراض إنسانية، وبعدما فشلت جهود التحالف العربي في وضع ميناء الحديدة تحت رقابة الأمم المتحدة، لوقف عمليات التهريب من خلاله والسماح باستخدامه لإيصال المساعدات لليمنيين، وبعدما بدا واضحاً أن الأمم المتحدة غير جادة في ممارسة ضغط حقيقي على مليشيا الحوثي الإرهابية في هذا السياق.
وحينما انطلقت معركة الحسم لتحرير ميناء الحديدة تتذرع الأمم المتحدة مجدداً بأن هذه المعركة ستفاقم الأوضاع الإنسانية في اليمن، بدعوى أن الميناء هو الشريان الوحيد للمساعدات الإنسانية للشعب اليمني، متجاهلة أن ممارسات مليشيا الحوثي، هي من نهب هذه المساعدات وتاجر بها في السوق السوداء، وأنها تتحمل الأزمة الإنسانية في اليمن.
لا أحد أحرص على تيسير المساعدات الإنسانية للشعب اليمني من دول التحالف العربي، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، واللتان تعتبران أكثر الدول التزاماً بمساعدة الشعب اليمني، والوقوف بجواره وذلك قبل سنوات من اندلاع الأزمة، وما تدعيه الأمم المتحدة بأن العمليات العسكرية لدول التحالف في الحديدة تعرقل المساعدات الإنسانية إلى اليمن أمر مردود عليه، لأن دول التحالف تعهدت مراراً باستمرار المساعدات الإنسانية، وأكدت وجود عديد من الموانئ البديلة مثل عدن والمكلا، وعدد من المطارات والمنافذ البرية تم تأهيلها وفتحها لإيصال الإمدادات والاحتياجات الإنسانية لليمنيين، لهذا فإن تحذيرات الأمم المتحدة المستمرة لدول التحالف من عواقب العمليات العسكرية في الحديدة تؤكد بجلاء ازدواجية الدور الذي تقوم به في اليمن، لأنها بهذا تتواطأ عن عمد مع مليشيا الحوثي الإرهابية، وتؤيد استمرار سيطرتها على ميناء الحديدة، وهي تدرك جيداً أنها توظف هذا الميناء في عملية تهريب الأسلحة القادمة إليها من إيران، كما تتسبب ممارساتها في الميناء في إهدار جانب كبير من المساعدات الإنسانية.
وإذا كانت الأمم المتحدة بالفعل حريصة على انسياب المساعدات الإنسانية إلى اليمن، فإنها ينبغي أن تكون أكثر الجهات المؤيدة لعملية تحرير ميناء الحديدة من سيطرة مليشيا الحوثي الانقلابية، لأن وقف تهريب الأسلحة من هذا الميناء ينسجم مع قرار مجلس الأمن رقم 2216، الذي يحظر توريد الأسلحة إلى الحوثيين أو تهريبها إليهم.
إن موقف الأمم المتحدة "الغامض" من عملية تحرير الحديدة ومينائها الاستراتيجي، وإن كان كاشفاً لازدواجية الدور الذي تقوم به في اليمن، فليس من قبيل المبالغة هنا أنها تتحمل –من خلال تقاعسها- جانباً كبيراً من المسؤولية فيما آلت إليه الأوضاع في اليمن على المستويات كافة، لأنها منذ البداية وقفت عاجزة أمام الانقلاب الذي قامت به مليشيا الحوثي الإرهابية حينما انقلبت على الشرعية، ولم تبذل أي جهد حقيقي لإنقاذ المسار الانتقالي في اليمن بناء على مقررات المبادرة الخليجية ومخرجات الحوار الوطني وقرار مجلس الأمن 2216، وحتى حينما انطلقت عمليتا "عاصفة الحزم" "وإعادة الأمل"، واللتان جاءتا استجابة لنداء الشعب اليمني الشقيق، وحكومته الشرعية في مواجهة هذه المليشيا الإرهابية، فإن الأمم المتحدة لم تتعامل بموضوعية مع تطورات الأوضاع في اليمن، بل والمؤسف أنها انحازت أحياناً لهذه المليشيا حينما صاغت عديدا من تقاريرها حول الأوضاع الإنسانية بناء على معلومات قدمتها إليها عناصر حوثية في محاولة للتشكيك في الأهداف الإنسانية لدول التحالف.
وفي الوقت الذي أقرت فيه الأمم المتحدة نفسها بأن الصواريخ الذي تطلقها مليشيا الحوثي الإيرانية تجاه الأراضي السعودية صُنعت في إيران، فإنها تصرُّ على أن يبقى ميناء الحديدة الذي تُهرَّب من خلاله هذه الصواريخ تحت سيطرة هذه المليشيا في وقت يفترض أن تدعم فيه، أي الأمم المتحدة، عملية تحرير هذا الميناء، حتى لا يتم توظيفه كممر لتهريب الأسلحة أو تهديد الملاحة في مضيق باب المندب والبحر الأحمر. الأمم المتحدة الآن أمام اختبار حقيقي فإما أن تثبت بالفعل أنها مع الشرعية ومع الجهود التي يبذلها التحالف العربي لإعادة الأمن والاستقرار والأمل للشعب اليمني، وإما أن تظل في موقفها الغامض والمرتبك، وتشارك في استمرار وتعقيد الأزمة بدلاً من حلها.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة