إعلان الولايات المتحدة فتح مكتب تمثيلي جديد لها الشهر الجاري في العاصمة التايوانية أثار غضب بكين باعتباره يشكل مبنى عسكريا ضخما.
أثار إعلان الولايات المتحدة فتح مكتب تمثيلي جديد لها الشهر الجاري في العاصمة التايوانية غضب بكين باعتباره يشكل مبنى عسكرياً ضخماً، واعتبرته واشنطن رمز القوة العسكرية الأمريكية التايوانية وحيويتها، وقد بلغت كلفته مائتين وستة وخمسين مليون دولار، واعتبرته الإدارة الأمريكية بمثابة سفارة لها.
وقطعت أمريكا علاقاتها مع تايوان منذ عام 1979م لكنها ظلت على تواصل معها كحليف استراتيجي لها في جنوب شرق آسيا، والصين بدورها تعتبر تايوان جزءاً من أراضيها بموجب سياسة "صين واحدة"، ولم تتخلَّ أبداً عن احتمال استخدام القوة العسكرية لإعادتها إلى حكمها.
قد يتطور الموقف بين الصين وأمريكا ويتحول موقع بحر الصين الجنوبي إلى حرب واسعة النطاق، لأن الصين لا تعترف لأي أحد بحقها بهذا المكان، وهل يا ترى الصين تغلق الموانئ وتتحدى أمريكا وقد تنحاز روسيا إلى الصين وتقع المواجهة الحتمية وجهاً لوجه؟.السفن الحربية الأمريكية تقوم بدوريات متكررة في منطقة آسيا باسفيك، كما أنها تجري العديد من الأنشطة العسكرية الخطرة وسبق أن حلقت طائرة أمريكية فوق بحر الصين وتصدت لها القوات الجوية الصينية وأجبرتها على التراجع، وأرسلت فيما بعد أمريكا قطعاً بحرية لكن الصين احتجت وأصبح الموقف متوتراً، وليس بعيداً أن تشهد منطقة بحر الصين ودوله الإقليمية حرباً مدمرة واسعة النطاق، كون تشرف عليه دول إقليمية وتختلف مع بعض حول المواقع البحرية.
وأمام قوة الصين العسكرية المتنامية واستراتيجياتها بعيدة المدى، واتساع دورها في محيطها الإقليمي وهيمنتها على مواقع بحرية حساسة، لا سيما نفوذها في بحر الصين الجنوبي، جعل القوى العظمى ممثلة بالولايات المتحدة واليابان وأستراليا تتنافس معها على لعب دور مماثل في الممرات البحرية والهيمنة التجارية، وبذلك ازدادت حدة الصراعات على بحر الصين الجنوبي، حتى غدا يشكل أكبر قضية بالنسبة للصين مع المجتمع الدولي.
وبلغت حدة الصراعات شدتها بعد استنكار أمريكا واليابان وأستراليا وبعض الدول الآسيوية بناء بكين الجزر البحرية وقيامها بعسكرة البحر، وقد أعلنت مراراً بأحقية وجودها في الجزء الأكبر من المساحة البحرية، وقيامها بمختلف النشاطات العسكرية والبحرية والتجارية، حيث تبلغ عوائد الممرات البحرية خمسة تريليونات دولار من التجارة البحرية العالمية سنوياً، كما أن بحر الصين يعد غنياً باحتياطي الغاز والنفط، في حين ترفض الصين تدخل الدول العظمى، وتعتبر ذلك تهديداً للأمن والسلم في هذه المنطقة البحرية.
وتتوخى الصين الحذر في معارضتها بشأن زيادة الدوريات البحرية الأمريكية على طول المياه الخاصة ببحر الصين الجنوبي، التي تعد أكثر الطرق الملاحية التجارية ازدحاما في العالم، ودخلت البحرية الأمريكية قرابة الشعاب المرجانية في بحر الصين الجنوبي والجزر المرجانية والمناطق الأخرى التي طالبت بها بكين عدة مرات في الأشهر الأخيرة بحجة عمليات الملاحة البحرية.
والأهم من كل هذه التحديات التي تواجهها بكين بما فيها استئناف واشنطن علاقتها الدبلوماسية والعسكرية مع تايوان فإن قرار شروعها في الحصول على حاملات الطائرات يعتبر نقطة تحول مهمة في العقيدة الاستراتيجية الصينية، التي كانت تاريخياً قائمة على أساس حماية الحدود وتحولت الآن إلى حماية المصالح.
ولم يعد سراً سعي الصين منذ سنوات لبناء قواعد عسكرية للغواصات في مناطق جنوب الصين، وسباقها مع الزمن لحيازة ثمانين غواصة متطورة بحلول عام 2020م أي بما يوازي قدرة الولايات المتحدة، ووفق تقديرات عسكرية فإن الصين ستمتلك حتى ذلك الوقت ما يزيد على سبعمائة قطعة بحرية مزودة بأحدث أنواع الصواريخ وأجهزة الاتصال والتوجيه.
ولم تعد الصين كذلك تخفي محاولاتها الدؤوبة للحصول على مواطئ أقدام وموانئ في مناطق بعيدة عن أراضيها، مثل باكستان وبنجلاديش وسيريلانكا وموريشيوس، كما لوحظ أيضاً مشاركة الصين بشكل فاعل في عمليات مكافحة القرصنة في خليج عدن، وهذا يعطي مؤشرات واضحة على إدراك الصين ولو بشكل متأخر إلى أهمية القوة العسكرية البحرية ، فالبحر ظل دائماً يشكل الخاصرة الرخوة التي أتت منها كل القوى التي احتلت الصين.
وفي نطاق الحرب الاقتصادية فرضت واشنطن منذ أيام خمسين مليار دولار قيمة الرسوم الجمركية على الواردات الصينية، وبالمقابل دعت بكين الدول الأخرى للقيام بتحرك مشترك ضد الرسوم الجمركية المفروضة عليها، وسترد بفرض رسوم جمركية مساوية على السلع الأمريكية المستوردة.
عبرت الصين عن استيائها الشديد ومعارضتها القوية لبيان أرسلته الولايات المتحدة إلى منظمة التجارة العالمية، تحتج فيه على منح الصين وضع اقتصاد السوق، وقد لجأت الصين بالفعل إلى منظمة التجارة العالمية بشأن قضية مماثلة، حيث أفادت الخارجية الصينية في الأول من ديسمبر/كانون الأول عام2017م أن بعض الدول تحاول التملص من مسؤولياتها التي تقتضيها قواعد منظمة التجارة العالمية، وتدفع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بأن دور بكين المتغلغل في الاقتصاد الصيني يشوه السوق ويمنعها من تحديد الأسعار محلياً، والرد القوي من وزارة التجارة الصينية هو أحدث حلقة في سلسلة التوتر المتنامي مع الإدارة الأمريكية.
ولن يكون الصراع بين الولايات المتحدة والصين مادياً وحسب، لكنه سيتركز على التحكم في البحر والسيطرة على نقاط تخنق الطرف الآخر، وقد تتأثر سلبياً وتخسر كثيراً، وترتفع معدلات التأمين البحري إذا حددت شركات التأمين أجزاء من بحر الصين الجنوبي بمثابة منطقة مخاطر حرب، وهذا يعني أن السفن يجب أن تدفع الأموال للعبور، أو تتجنب هذه المناطق تماماً تحسباً من اشتداد النزاع وتحوله إلى مجابهة حتمية، وسبق أن هدد ترامب بشن حرب تجارية على الصين للحد من دخول البضائع الصينية إلى أمريكا، متهماً بكين بسرقة الكثير من الوظائف من الأمريكيين، وهو لا يلوم الصين فيما يتعلق بالفائض الكبير الذي تحققه في تجارتها وإنما الإدارات الأمريكية السابقة التي لم تسعَ إلى إنهاء هذا الوضع.
وما يدعو للقلق في حال دخول سفن حربية أمريكية الممرات البحرية الصينية باتجاه جزيرة سبارتلي -التي عملت الصين على ردم جوانبها واتسع مكانها لتصبح قاعدة عسكرية ضمن مساحة أربعة كيلومترات مربعة- قد يتطور الموقف بين الصين وأمريكا ويتحول موقع بحر الصين الجنوبي إلى حرب واسعة النطاق، لأن الصين لا تعترف لأي أحد بحقها بهذا المكان، وهل يا ترى ستغلق الصين الموانئ وتتحدى أمريكا وقد تنحاز روسيا إلى الصين وتقع المواجهة الحتمية وجهاً لوجه؟
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة