لم يكن الحريق الذي شبّ في صناديق الانتخابات هو الأول من نوعه
إن حرق صناديق الانتخابات في بغداد بعد تصويت البرلمان على إعادة فرز الأصوات يمثل حالة خطيرة من التردي الكبير الذي وصلت إليه العملية السياسية، حيث تكشف بوضوح عن أزمة الخاسرين في هذه الانتخابات، وهم ثلثا أعضاء البرلمان السابق، فضلا عن انحسار الإسلام السياسي بشقيه السني والشيعي ونزول الفائزين عن مراتبهم السابقة في احتكار السلطة والفساد الكبير للكتل الكبيرة، التي أثرت على حساب الشعب المحروم من أبسط الخدمات، حتى المواد الأولية التي كانت متوفرة أيام النظام البعثي السابق فقد حرم الفقراء منها جميعا لتحول إلى بطون قيادات السلطة.
لم يكن الحريق الذي شبّ في صناديق الانتخابات هو الأول من نوعه، فقد عودنا الإسلام السياسي الحاكم في السنين الماضية على حرائق كثيرة للوزارات والدوائر الرسمية والمؤسسات الحكومية لإخفاء الوثائق والمستندات، وخلط الأوراق وتمرير المؤامرات الإيرانية ضد الشعب العراقي.
إن حرق صناديق الانتخابات هو جزء من المؤامرات الإيرانية المحبوكة بإحكام ضد العراق، وخلط الأوراق كلما وجدت الخارطة تسير بغير مصالحها، في العراق، الذي صرفت عليه المليارات من أموال الشعوب الإيرانية المحرومة والمقموعة والمتطلعة للحرية والكرامة واستعادة حقوقها.استلم الإسلام السياسي أي حزب الدعوة في العراق السلطة من رئاسة الوزراء ثلاثة عشر عاما كانت من أسوأ السنين التي مرت على تاريخ العراق، عنوانها الظلم والجور والطغيان والفساد والتردي، وإعادة العراق مائة عام إلى الوراء والتبعية لإيران التي ترغب في الانتقام من العراق، حيث ظهر في الحرب العدوانية على العراق ثماني سنوات ظالمة، ثم واصل حزب الدعوة انتقامه من العراق بعد تسليمه من الولايات المتحدة إلى إيران على طبق من ذهب.
فقيادات حزب الدعوة هم من الإيرانيين التابعين لولاية الفقيه، المنظر الفكري لحزب الدعوة، هو مرتضى العسكري الذى قام بالتكفير لكل مفكر حر، لا سيما علي الوردي في العراق وعلي شريعتي في إيران، والذي فتح له المرشد كلية أصول الدين وفروعها التكفيرية في مختلف محافظات إيران، وفقيه حزب الدعوة كاظم الحائري الشيرازي صاحب الآراء التكفيرية المتشددة وكتب ثلاثة كتب تأييد لولاية الفقيه، وزعيم حزب الدعوة لما قبل إبراهيم الجعفري، وهو محمد مهدي الآصفي الذي عينه المرشد ممثلا لولي الفقيه في العراق منذ عام 2003، وكان ينزل في بيته قاسم سليماني بأوامر ولي الفقيه لتنفيذها في العراق، وقد أصدر الفتاوى المختلفة في تأييد نوري المالكي وحرمة المظاهرات ضده، وفتاوى في تأييد الإسلام السياسي وتأييد المرشد الإيراني.
واليوم لا يزال حيدر العبادي في حزب الدعوة رافضا الخروج منه، علما أن تاريخ حزب الدعوة مليء بالجرائم الكبيرة التي يندى لها جبين الإنسانية، مثل تفجير السفارة العراقية في بيروت، ومحاولة اغتيال أمير الكويت، وتفجير السفارة الأمريكية هناك، وتفجير وزارة التخطيط العراقية في الثمانينيات.. لذلك بدأت المطالبات بضرورة خروج رئاسة الوزراء عن الإسلام السياسي وحزب الدعوة.
وظهرت تحالفات جديدة بعد حرق صناديق الانتخابات، أهمها إعلان تحالف بين كتلة سائرون وكتلة الفتح بشكل مفاجئ وصادم، سائرون يتزعمه مقتدى الصدر بتحالفه مع الشيوعيين الذين عودونا على الانتهازية، فقد دخلوا في الكتلة الشيعية الطائفية كونهم شيعة لا شيوعيين منذ مجلس الحكم بقيادة حميد مجيد موسى تكريسا للطائفية وشبقا للسلطة وامتيازاتها، أما كتلة الفتح (تضم مليشيات بدر وعصائب أهل الحق) فيتزعمها هادي العامري رئيس مليشيات بدر التي يسميها العراقيون بـ(غدر) لأنها عرفت بنشوئها في إيران أيام النظام السابق، وقد اشتركت في الحرب ضد العراق مع القوات الإيرانية وأياديها ملطخة بدماء العراقيين، ومتهمة مع عصائب أهل الحق بالقتل الطائفي ضد السنة والإسراف في الدماء في مناطقهم والتغيير الديموجرافي لإحلال شيعة قادمين من إيران مكان السنة في المحافظات السنية، لا سيما صلاح الدين ونينوى والرمادي كما هو معروف.
لم ينتظر العراقيون من مقتدى الصدر تحالفه مع العامري، لأنه تراجع واضح عن قراراته السابقة بالبعد عن التخندقات المذهبية والمليشيات الطائفية، وقد هاجم الصدر شخصيا حيدر العبادي عندما تحالف الأخير مع هادي العامري، باعتباره تعزيزا للطائفية وسيادة للمليشيات كما أعلن، فضلا عن قيس الخزعلي المنشق عن التيار الصدري والموالي صراحة لإيران وولي الفقيه.
هذه المرة ارتفعت الأصوات عاليا بالتزوير وضرورة إعادة الفرز أو إعادة الانتخابات حتى من رموز العملية السياسية، مثل إياد علاوي زعيم القائمة العراقية، وسليم الجبوري رئيس البرلمان العراقي، وعندما أحيلت تلك المسائل من البرلمان فقد صادق بدوره على إعادة الفرز الى القضاء ليتولى المسؤولية بنفسه، وإذا بالحرائق تلهب صناديق الانتخابات لتكون الصورة كاملة في خلط الأوراق وفقدان آثار التزوير والمستفيدين من ذلك كله، وعلى رأسهم النظام الإيراني وأتباعه من الإسلام السياسي الحاكم.
البعض توهم انحسار الدور الإيراني في العراق، خصوصا بعد نتائج الانتخابات العراقية والمظاهرات الإيرانية والقرارات الأمريكية ضد إيران والمليشيات التابعة لها، ولا يعلم أهمية العراق للنظام الإيراني، حيث أرسل هذا النظام بعد الانتخابات مجتبى نجل خامنئي وقاسم سليماني للقاء القيادات الشيعية التابعة لها، لا سيما عمار الحكيم وقيادات حزب الدعوة مثل المالكي والعبادي وقيادات المليشيات الطائفية المجرمة لا سيما العامري والمهندس والخزعلي، وهي تنفق المليارات وتصنع المليشيات وتجعل العراق منطلقا للمشروع الإيراني في منطقتنا العربية، بينما كان العراق في الثمانينيات سدا منيعا وبوابة شرقية مانعة من التمدد الإيراني وتوغله ومشروعه.
إن حرق صناديق الانتخابات هو جزء من المؤامرات الإيرانية المحبوكة بإحكام ضد العراق، وخلط الأوراق كلما وجدت الخارطة تسير بغير مصالحها (في العراق) الذي صرفت عليه المليارات من أموال الشعوب الإيرانية المحرومة والمقموعة والمتطلعة للحرية والكرامة واستعادة حقوقها.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة