عدم طرح العبادي نفسه لمنصب رئاسة الوزراء ممثلا لحزب الدعوة، وهذا يعني ابتعاد الرجل أكثر عن الحامل الرئيسي
لم ينتظر قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني الكثير ليزور العاصمة العراقية بغداد، ويلتقي على عجل زعيم دولة القانون رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، ورئيس تحالف الفتح هادي العامري، جناحي إيران في العراق.
اللقاء الذي دام ساعات طويلة في المنطقة الخضراء وسط العاصمة، حسب مصادر خاصة، تناول آلية الدفع باتجاه تشكيل كتلة شيعية وازنة داخل البرلمان العراقي لمواجهة اكتساح تحالف "سائرون" بزعامة مقتدى الصدر والشيوعيين العراقيين معه نتائج الانتخابات الأخيرة، وقطع الطريق على إمكانية التحالف مع العبادي وإحياء فرص المالكي للعودة إلى سدة الحكم.
لابد من القول بأن حجم التدخلات بالشأن الداخلي العراقي ستكون أقل هذه المرة بعد المتغيرات والأحجام السياسية الجديدة، وهو ما يسعى إليه العراقيون بكافة أطيافهم، ويشجعهم على ذلك محيطهم العربي.
اللقاءات التي يعقدها الإيرانيون مع الكتل الشيعية لم تثنِ زعيم التيار الصدري من رسم ملامح الحكومة المقبلة وكذلك التحالفات، فالرجل كان واضحا أنه على استعداد للتحالف مع الجميع باستثناء القوى العراقية التي تمثل الثقل الإيراني في العراق، وهي تحالف الفتح ودولة القانون.
حكومة تكنوقراط هي التي يريدها الصدر وحلفاؤه، وهذا ما لا يعجب إيران ولا الأطراف المساندة لها، لأن ذلك يعني بالضرورة تخليص العراق من نفوذها بوضع حد لحكم حزب الدعوة، الذي تفرد بالحكم منذ نحو ثلاثة عشر عاما، ولكن ماذا عن رئيس الوزراء العراقي المنتهية ولايته والمنتمي لهذا الحزب؟.
في الواقع ثمة ثلاثة شروط ينبغي للعبادي العمل عليها لنيل ثقة الصدريين وقيادة الحكومة العراقية لأربع سنوات مقبلة وهي:
أولا: عدم طرح العبادي نفسه لمنصب رئاسة الوزراء ممثلا لحزب الدعوة، وهذا يعني ابتعاد الرجل أكثر عن الحامل الرئيسي الذي أوصله إلى المنصب خلال الدورة الماضية، وهذا لن يحرج كثيرا العبادي الذي بات أقرب في الفترة الأخيرة للاستقلالية منه إلى الالتزام بأدبيات حزب الدعوة وفكره.
ثانيا: تقديم العبادي جملة من الضمانات بفتح ملف الفساد ومحاسبة حلفاء الأمس، الذين يسميهم الصدريون علانية في تظاهراتهم، وهم نوري المالكي ورجالاته في الحكومة السابقة، بل يحملونهم مسؤولية تسليم الموصل ثاني أكبر محافظات العراق لتنظيم داعش المتطرف.
ثالثا: العمل على لملمة السلاح وحصره بيد الدولة، خاصة أن السيد مقتدى الصدر أمر بحل "سرايا السلام" التابعة له، وجعل منها قوة تحت إمرة رئيس الوزراء حيدر العبادي، ولابد معاملة فصائل الحشد بنفس السوية، وهذا ما لم يستطع تنفيذه العبادي في ولايته السابقة.
ثنائية العبادي الصدر تأتي في مصلحة العراقيين أولا والراعي الرئيسي للديمقراطية كما يحلو للبعض تسميتها الولايات المتحدة لاعتبارات ثلاث.
أولا: لأن واشنطن تريد قوة تسهم إلى حد ما في مساندة أي حكومة مقبلة لحفظ الأمن والاستقرار على الأرض، وهذا متوفر في الصدر وأنصاره الذين يشكلون في الشارع العراقي قاعدة قوية لذلك.
ثانيا: عدم ولاء الصدريين لإيران العدو الرئيس للولايات المتحدة بإدارتها الجديدة، وهذا ما يقلص نفوذ طهران في العراق ويسهم في تفرد الأمريكيين بالساحة العراقية، التي كانت مقسومة فيما مضى بين الجانبين.
ثالثا: المقبولية التي يحظى بها العبادي في الداخل العراقي والمحيط العربي وقدرته على المضي بالعراق بعيدا عن الطائفية، وهذا يشكل نقطة قوة لواشنطن لتنفيذ رؤيتها فيما يخص محاربة التنظيمات المتطرفة أو حتى احتواء إيران عبر الساحة العراقية والتضييق عليها.
نقطة واحدة فقط يمكن للإيرانيين الاستفادة منها لتشكيل جبهة مضادة للصدر والعبادي؛ وهي استمالة الحزب الديمقراطي الكوردستاني بزعامة مسعود بارزاني الفائز في أربيل، لصالح التحالف مع المالكي والعامري، خاصة بعد الخيبة التي تعرض لها بارزاني وحزبه عقب الاستفتاء على انفصال الإقليم، يضاف إلى ذلك بعض الأصوات السنية التي بقيت طوال الفترة الماضية تدور في فلك المالكي وإن بشكل غير معلن.
بالنتيجة نستطيع القول إن فوز الصدر والمتحالفين معه أمر سيكون انعكاساته على العراقيين الذين أتعبهم حكم حزب الدعوة والمحاصصة الطائفية والفساد المستشري بشكل يوازي عمل الحكومة، التي لم تستطع تخليص البلاد منه لشدة تجذره واختراقه مفاصل الدولة العراقية.
كذلك لابد من القول بأن حجم التدخلات بالشأن الداخلي العراقي ستكون أقل هذه المرة بعد المتغيرات والأحجام السياسية الجديدة، وهو ما يسعى إليه العراقيون بكافة أطيافهم ويشجعهم على ذلك محيطهم العربي.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة