من خلال متابعة الانتخابات العراقية والمشاركة التي وصلت نسبتها إلى نحو 45%، نستخلص أنّ العراق مقبل على مرحلة مهمة
من خلال متابعة الانتخابات العراقية والمشاركة التي وصلت نسبتها إلى نحو 45 في المئة من العدد المسموح له بالتصويت، نستخلص أنّ العراق مقبل على مرحلة مهمة جداً، وهذا ما دفع وسائل الإعلام العربية لمتابعة هذا الحدث، وفرد ساعات طويلة لتغطيته ويعود ذلك لعدة أسباب:
منها مثلاً أنّ إيران المشاغبة والمنكوبة بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي معها ستبحث عن ساحة تستنفر فيها قواها وحلفاءها ورجالاتها للتأثير على واشنطن، والساحة العراقية مكان خصب ورخو في بعض جوانبه يمكن لها لعب هذا الدور، علماً أنّه لم يكن مختفياً في السابق ولكن على نحو أقل تأثير، بعد رحيل نوري المالكي رئيس الوزراء السابق وتولي حيدر العبادي المنصب.
في الواقع استطاع العبادي خلال فترة حكمه تجنيب العراق الصدام مع الدول المحيطة به والباحثة عن دور في رسم سياسته المستقبلية، ويُحسب للرجل أنّ بغداد باتت أقرب من ذي قبل إلى شقيقاتها العربيات، وهذا ما شكّل حالة ارتياح عامة لدى الشعوب العربية قبل قيادتها بعودة بلاد الرافدين إلى مكانها الطبيعي وإنْ كان بشكل جزئي.
في حساب بسيط نستطيع القول إنه إذ ما حصل العبادي على 150 مقعداً من أصل 328 عدد مقاعد البرلمان العراقي فإنه سيكون قريباً من رئاسة الوزراء بعد كسبه تأييد خمسة عشر نائباً آخرين لتحقيق النصاب، وهذا سيتحقق له من خلال التحالف مع بعض القوى السنية أو حتى الكردية المناهضة لأربيل.
يُحسب للعبادي تنفيذه وعده بأن الانتخابات ستُجري في موعدها، رغم أنّ الكثير من الأطراف المنزعجة مما حققه الرجل عقب انتصاره على داعش في العراق وخشية استثماره ذلك في الانتخابات، دفعت عدة شخصيات منافسة له باتجاه تأجيلها إلا أنّ الأمور جرت على ما رسم له العبادي وفريقه الحكومي.
في مرور سريع على القوى العراقية المتسابقة نحو منصب رئاسة الوزراء، نجد أنّ ثلاثة أطراف رئيسة في البيت الشيعي يدور حولها كرسي الحكم، وهم: حيدر العبادي رئيس تحالف النصر، ونوري المالكي رئيس كتلة القانون، وهادي العامري رئيس ائتلاف الفتح، وقد تكون هناك ثمة مفاجآت في نتائج هذه الانتخابات بوصول تحالف "سائرون" بقيادة مقتدى الصدر والمتحالفين معه من التيارات المدنية إلى حجم تمثيل كبير، وإن كانت الترجيحات تصبّ بشكل نظري لصالح العبادي لما يملكه من دعم خارجي وداخلي في آن واحد.
في حساب بسيط نستطيع القول إنه إذ ما حصل العبادي على 150 مقعداً من أصل 328 عدد مقاعد البرلمان العراقي؛ فإنه سيكون قريبا من رئاسة الوزراء بعد كسبه تأييد خمسة عشر نائباً آخرين لتحقيق النصاب، وهذا سيتحقق له من خلال التحالف مع بعض القوى السنية أو حتى الكردية المناهضة لأربيل.
فيما عدا هذا الحساب سيضطر العبادي للخروج من البيت الشيعي والبحث عن أكثر من تحالف للوقوف بوجه الثنائي الشيعي العامري والمالكي، وقطع الطريق عليهما للوصول إلى رئاسة الحكومة في الفترة المقبلة.
ثلاثة عوامل قد تساعد العبادي في مساعيه نحو قيادة العراق لولاية ثانية:
العامل الأول: التوافق الدولي على عدم تسليم العراق لإيران مرة أخرى، وفي استعراض منافسي العبادي نجد أن المنافسين الرئيسين له يدوران في فلك ولاية الفقيه، ولا يستطيعان الخروج من تحت عباءته، وهذا ما يشكل نقطة مهمة لا يمكن تجاوزها من الأطراف المشاركة في تحالف القضاء على الإرهاب الذي تقوده الولايات المتحدة.
العامل الثاني: يتمثل في المنهجية السياسية التي سار عليها العبادي خلال فترة حكمه والبعيدة إلى حد كبير عن الطائفية التي كان ينتهجها سلفه المالكي، وهذا ما يشجع الأصوات السنية للوقوف معه في الاستحقاقات المقبلة وعدم تكرار أخطاء الماضي، والاصطفاف مع رئيس الوزراء السابق بما اصطلح على تسميته حينذاك بـ "سنة المالكي"، خصوصاً أنّ السنة لا يستطيعون تشكيل قوة مستقلة في ظل ما تتعرض له محافظاتهم من تهجير ودمار كبيرين، ونزوح مئات آلاف السكان من مناطقهم نتيجة الحرب على داعش، لذا سيجدون أنفسهم مضطرين للبحث عن تحالف يكونون فيه بيضة القبان.
العامل الثالث: يتعلق بمدى قدرة العبادي على تقديم ضمانات لمحاربة الفساد وضرب التوازنات السياسية لمنافسيه، المتهم بعضهم بتسليم الموصل للتنظيمات المتطرفة، وإرساء المصالحة الوطنية بين الأطراف العراقية، بما فيها تصالحه شخصياً مع الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني عقب عملية الاستفتاء الفاشلة؛ ما شكّل نقطة سوداء في مسيرة بارزاني أمام جمهوره.
العوامل الثلاثة السابقة سيكون لها شديد التأثير في تحديد هوية رئيس الحكومة الجديد، وأيّ من الرابحين في الانتخابات قادر على تحقيقها سيحظى بلا أدنى شك بمنصب رئيس وزراء العراق لأربع سنوات مقبلة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة