لم يكن عبثياً تجميع جميع عناصر المعارضة في مدينة إدلب السورية شمال البلاد سواء المعتدل منها أو المتطرف، فالخطوة كانت مدروسة بعناية
لم يكن عبثياً تجميع جميع عناصر المعارضة في مدينة إدلب السورية شمال البلاد، سواء المعتدل منها أو المتطرف، فالخطوة كانت مدروسة بعناية من الأطراف الدولية المشجعة عليها والمقصود هنا روسيا على وجه التحديد، والتي خبرت عن قرب طبيعة كل فصيل مقاتل على الأرض السورية.
نستطيع القول بأنّ مغامرة عناصر النصرة في إدلب اقتربت من نهايتها والمدنيون هم من يؤخرون حسم ملف المدينة التي تتسابق عدة أطراف للسيطرة عليها بمن فيهم عناصر الجيش الحر المدعومون من تركيا.
المدينة تحملت أعباء كبيرة تنوء بها دول، إذ يُقدر عدد من يقطنها نحو مليوني نسمة وهي تعاني الأمرّين ليس على الصعيد الإنساني وعدم وجود الكادر الإغاثي والطبي الذي يغطي احتياجات الأطفال والنساء النازحين إليها، وإنّما من سطوة العناصر التي تسيطر على هذه المدينة "جبهة النصرة وأخواتها المتطرفات"، فلا يكاد يمر يوم إلا وتُسمع أخبار القتل والقصاص وتطبيق "تعاليم الشريعة" على هذا الشخص أو ذاك، وكأن ّالمدينة كانت تعيش قبل وصول هؤلاء الخارجين عن كل مفاهيم الإنسانية في الظلمات.
في الواقع كانت إدلب الخيار الأفضل للفصائل الخاسرة معركتها مع القوات النظامية باستثناء فصائل الغوطة التي رفضت الوجهة هذه لما تعرفه من مصير محتوم حال وصولها إلى أحضان عناصر "أبي محمد الجولاني"، قائد جبهة النصرة تحرير الشام حالياً، والعداء المستشري بينهما من جميع النواحي، فلكل واحد منهما مشروعه الخاص الذي يريد تنفيذه في سوريا.
ليس جديداً حالة الفوضى التي تعيشها إدلب ولكن يكمن الجديد في عودة عناصر تنظيم داعش للظهور في هذه المدينة عقب طردهم منها قبل أربع سنوات، وقيام هذه العناصر المتطرفة بخطف آخرين تابعين لهيئة تحرير الشام وقطع رؤوسهم انتقاماً لمداهمة أوكارهم في الريف الإدلبي، وتهديد نفوذ جبهة النصرة المسيطرة على معظم مساحة المدينة.
التطور الأخير هذا ينذر بمزيد من الاقتتال في هذه البقعة من الأرض السورية المشتعلة، حرب قد لاتحتاج الحكومة السورية لأن تكون طرفاً فيها بعد استلام هذه الفصائل المهمة لإبادة بعضها البعض، وتجلى ذلك بالاقتتال الأخير بين أحرار الشام وهيئة تحرير الشام "النصرة"، فعلى الرغم من مشاطرة الفصيلين العداء للنظام إلا أنّ هذا لم يمنع الأخيرة أي النصرة من اكتساح الأحرار وطردهم من المدينة لتتابع بغيها على فصيل صقور الشام الذي يتخذ من معرة النعمان مقراً له.
رغم ما تحققه النصرة من مكاسب على الأرض في إدلب إلّا أنّ قادتها وأغلب عناصرها يدركون حقيقة مصيرهم الذي لن يختلف كثيرا عن مصير نظرائهم في داعش لجملة من الأسباب :
أولا : فقدان البيئة الحاضنة لجبهة النصرة عقب تصرفات عناصرها وسطوتهم على الناس وتدخلهم في كل كبيرة وصغيرة، وهذا ما لم يتحمله أبناء المدينة الذين رحب كثير منهم بدخول المعارضة إدلب.
ثانيا : كثرة الانشقاقات في صفوف هيئة تحرير الشام والتحاق العناصر المنشقة بتنظيم داعش الذي بات يجمع عناصره في بعض المناطق استعداداً للانقضاض على هيئة تحرير الشام وقائدها أبو محمد الجولاني، الذي كفّر التنظيم مع بداية ظهوره قبل نحو ست سنوات.
ثالثا : عودة العناصر المتطرفة من أبناء المدينة إلى قراهم عقب هزيمة تنظيم داعش في العراق ومراكز قوته في شرق سوريا وهذا ما يشكل نقطة قوة لهذا التنظيم؛ ليحدّ من سيطرة النصرة على المدينة، ولا يعني ذلك مقدرة داعش إعادة تشكيل ذاته مجدداً في إدلب لأنّ ساعة الخلاص ستكون أسرع وأقرب.
رابعا : رفع الغطاء عن النصرة بعد قطع اليد الداعمة لها والمتمثلة بقطر، والتي تعاني الأمرّين نتيجة دعمها العناصر المتطرفة وانكشاف دورها خلال السنوات الخمس السابقة، وهذا ما أتى عليه رئيس وزرائها وزير خارجيتها الأسبق حمد بن جاسم آل ثاني.
خامسا : الحد من حركة العناصر المتطرفة من وإلى سوريا عبر الحدود التركية عقب السماح لهم بذلك على مرأى المخابرات التركية فيما سبق بغية إسقاط النظام، وإدراك المسؤولين الأتراك خطورة هذه العناصر على الداخل التركي وما قد يتسببون به من زعزعة لأمن واستقرار تركيا.
سادسا والأهم هو الإجماع الدولي على انتزاع العناصر المتطرفة ومواجهتها، ولعلّ النصرة أبرز هذه المجموعات المصنفة إرهابية والتي تعمل واشنطن وحلفاؤها الأوروبيون للقضاء عليهم.
في جملة الأسباب المذكورة نستطيع القول بأنّ مغامرة عناصر النصرة في إدلب اقتربت من نهايتها، والمدنيون هم من يؤخرون حسم ملف المدينة التي تتسابق عدة أطراف للسيطرة عليها بمن فيهم عناصر الجيش الحر المدعومون من تركيا .
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة