مشاهد محزنة تلك التي تداولها نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي خلال الأسبوع المنصرم والتي بينت حجم الجفاف الذي لحق بنهر دجلة.
مشاهد محزنة تلك التي تداولها نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي خلال الأسبوع المنصرم، والتي بينت حجم الجفاف الذي لحق بنهر دجلة في العراق إثر تحويل السلطات التركية نسبة ضخمة من مياه النهر عن طريق تشغيل سد اليسو العملاق، ومن المقرر أن يحرم السد العراق من نصف الحصة المائية لدجلة، أو منعه تماماً في مواسم الجفاف.
آثار الحدث تجلت سريعاً على الأراضي العراقية لدرجة بات بالإمكان عبور دجلة مشياً على الأقدام وسط مخاوف أن تتحول أراضي الهلال الخصيب في وسط وجنوب البلاد ومنطقة الاهوار إلى أرض جرداء، حيث إن نصف إيرادات المياه لنهري دجلة والفرات تأتي من الأراضي التركية.
من المفارقة صمت جماعات الإسلام السياسي عن تعدي تركيا على مياه العراق، حيث لم ينبسوا ببنت شفة ضد المشروع الذي يستهدف دولاً عربية، رغم أنهم كانوا يتباهون بتركيا ويزعمون دعمها لقضاياهم، وبينما كانوا يستغلون سد النهضة للنيل من مكانة مصر بادعاء عدم قدرة المصريين على حماية النيل
فالنهر الذي يعد شريان الحياة في بلاد ما بين النهرين التي قامت عليها أقدم الحضارات التي عرفتها البشرية منذ آلاف السنين لم يعد كما كان بسبب مشاريع الحكومة التركية التي استغلت الانهيار الذي حل بالدولة العراقية بعد الأزمات التي مرت بها بغداد منذ 2003 وانتهاء بالحرب على داعش الإرهابي، فشيدت أنقره السدود واحداً تلو الآخر رغم وفرة المياه لديها في تجاهل تام للأعراف والقوانين بين الدول المتشاطئة.
لقد كفلت القوانين والاتفاقيات الدولية حقوق الدول المتجاورة على مورد مائي مشترك حيث لا يعني أن يكون المنبع في دولة ما أحقية تلك الدولة في الاستيلاء على المورد المائي بشكل يضر بمصالح الدول الأخرى، وتدعو جميع القوانين إلى أن تتقاسم الدول الموارد المشتركة بينها طبقاً لطرق تتسم بالعدالة والمساواة، ويؤكد هذا المبدأ المادة الثالثة من ميثاق الأمم المتحدة للحقوق والواجبات الاقتصادية للدول لعام 1974م.
وقد عقدت أولى الاتفاقيات المائية بين تركيا والعراق عام 1946، وبموجبها اعترفت الحكومة التركية بحقوق العراق المائية، والتزمت بعدم تنفيذ أي عمل من شأنه المساس بتلك الحقوق، لكنها خالفت المواثيق والاتفاقات وفرضت سياسة الأمر الواقع وكأن نهري دجلة والفرات أنهارها الخاصة ولا يحق للعرب الاشتراك معها مياههما.
إن للعراق حقاً تاريخياً في النهرين حيث اعتمد عليه لآلاف السنين ولا يجوز لأي دولة كانت تمنع تدفق المياه دون التشاور معه لاسيما أن العراق أكثر حاجة من تركيا للمياه وليس له بدائل بخلاف الأخيرة.
من المفارقة صمت جماعات الإسلام السياسي عن تعدي تركيا على مياه العراق، حيث لم ينبسوا ببنت شفة ضد المشروع الذي يستهدف دولاً عربية، رغم أنهم كانوا يتباهون بتركيا ويزعمون دعمها لقضاياهم، وبينما كانوا يستغلون سد النهضة للنيل من مكانة مصر بادعاء عدم قدرة المصريين على حماية النيل، ها هم يصمتون مرة أخرى حين يتعلق الأمر بتركيا التي يتبين كل يوم أنها لا تأبه إلا بمصلحتها.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة