لا معنى للسلامة ما لم يَسْلَم الوطن، ولا خير يبقى ما لم يدم الخير على ترابه، ولا غد يُرتجى ما لم يشرق ذلك الغد على تلاله
الدول العظيمة لا تبنيها أحلام اليقظة ولا تؤسسها النوايا المبيّتة على الشر ولا تُعمّرها «التربيطات» والتحالفات التي تستهدف تفريق الشمل وتحريف المعتقد والتي لن يُنقّيها بعدها ماء السماء لشدّة ما اقترفت من آثام في حق الآخرين فضلاً عن أن يرفع عنها اللوم ادّعاء فعل الخير، قال تعالى في وصف أمثالهم: «والذين اتخذوا مسجداً ضِراراً وكُفراً وتفريقاً بين المؤمنين وإرصاداً لِمَن حارب اللهَ ورسولَهُ مِن قبل ولَيَحْلِفُنَّ إنْ أردنا إلا الحُسنى واللهُ يشهدُ إنهم لكاذبون».
والدول العظيمة لا يرفع رايتها إعلامي مرتزق يوالي من يدفع أكثر حتى وإنْ كان الشيطان نفسه، ولا يُعلي قدرها المجنّسون من غرب الدنيا وشرقها للحصول على القشور وتزييف الواقع بمظهر خلّاب كاذب، ولن يوطّد أركانها حزبيون يرون مَن عداهم مخطئاً وقاصراً عن الفهم وواجب الإقصاء، وإنما يرفع رايتها أبناء الوطن المخلصون ويعلي قدرها من يستلذ الموت وينشده لكي يبقى ترابه عزيزاً مكرّماً، ويشد أوتاده كما تشدها الجبال الرواسي، من يُري الطامعين والمتربصين في الظلام بأنّ نجوم السماء أقرب مِن أن يمسّوا حبة رملٍ واحدة له.
الأوطان غالية وذاك ما لن يفهمه المرتزقة أبداً لأنّه لا أوطان تتشرّف بهم ولا أراضي ترضى بأن يُنسَبوا إليها، بل يفهم قيمة الوطن أمثال ذلك البطل الذي فقد ذراعه في معارك إعادة الأمل لليمن الشقيق، ولـمّا أتاه صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، للاطمئنان عليه وعلى رفاقه المصابين إذا به يُناشده أمام الجميع بأن يتم إعادته فوراً إلى الجبهة لأنه لا يريد أن يترك إخوانه يُقاتلون لوحدهم وأن يسبقوه في ميادين العزة وحماية الأرض والعرض ونُصرة الضعيف وغوث المستجير.
بينما رأى الكل قبل أيام تلك الابتسامة على وجه الشيخ أحمد بن سعود نجل صاحب السمو حاكم رأس الخيمة والذي فقد رِجليه معاً في المعارك ذاتها وكأنّه يعتبر ذلك وساماً تقلّده وحُجّةً أجزل في تقديمها كعربون حُبّ وولاء لهذا الوطن!
والأوطان أيضاً تكون محظوظة عندما تجد أباً فَقَدَ ابنه للتو في ساحة المعركة ويخبر الجميع بأنّ هذا اليوم ليس يوم عزاء وإنما يوم فرح وشرف وأنّ لديه ثلاثة أبناء آخرين مستعدين لتلبية نداء وطنهم والدفاع عنه تصديقاً لقوله سبحانه: «مِن المؤمنين رجالٌ صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم مَن قضى نحبه ومِنهم مَن ينتظر وما بدلوا تبديلاً»، عندما سقط ابنه كان يعلم أنّ بذلك السقوط سترتفع راية وبتلك الروح التي صعدت ستصعد كرامة وبأيامٍ أُخِذَت من عُمُر ابنه ستزدهر سنين طويلة من أعمار اخوانه وأخواته الذين افتداهم ليأمنوا بفضل الله ثم تضحياته على غَدِهم وغَدِ أبنائهم.
منذ إصابة سمو الشيخ ذياب بن محمد بن زايد آل نهيان والشيخ أحمد بن سعود القاسمي في معارك تحرير اليمن وإعادة الشرعية وهناك مطالبات مجتمعية بأن يتم إبعاد أبناء العوائل الحاكمة عن خطوط النار لأنها ستكون مستهدفة بصورة غير مسبوقة من عملاء الإخوان وأذنابهم من القاعدة وداعش ورفقاء السلاح والمؤامرات من الحوثيين ومرتزقة الحرس الثوري الإيراني، لكن لم تستمع القيادة لكل تلك التحذيرات لأن الوطن على المحك وخير ترجمة للأقوال العظيمة أن تتبعها أفعال بذات القدر.
وأنّه لا أحد أكبر من التضحية للوطن، ولن يكون أشرف ولا أسمى لدى الإنسان مِن أن يرسل أبناءه لساحات الشرف وميادين الرجال دفاعاً عن بلاده وقضاياها في نشر الخير وردع الظُلْم والظلمات، يقفون كتفاً بكتف مع إخوانهم شباب الوطن ورجال الجيل الجديد ليعلموا جميعاً قيمة ما يدافعون عنه وليثبتوا على رؤوس الأشهاد أنهم خير من يحمل الراية وأنّه لا معنى للسلامة ما لم يَسْلَم الوطن ولا خير يبقى ما لم يدم الخير على ترابه ولا غد يُرتجى ما لم يشرق ذلك الغد على تلاله ووديانه وهو يرفل في عزٍ وخير وأمان.
في هذا السياق أتت أبيات لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان لتختصر الكثير عن الغاية وعن نوعية الرجال الذي تُسنَد إليهم هذه الغاية السامية لتحقيقها والمنافحة عنها، يقول «بوخالد»:
يقول المثل: «إنْدِبْ رجالٍ على الامْحانْ»..ونحنا على الأمحــان.. نَنْدِبْ «شميميّة»
ترى عْيال زايد تقضي الشَّفْ مهما كان..
على شــان تبقى.. رايـة العِزّ.. مــرئية
سلامي عليهم يوم لِبْس السما دخّان..
تنزل قذايفهم على الروس.. مدويّة
مِن أولئك «الشميمية» و«اخوان شمّا» كان أولئك المخلصون الذين استهدفت القاعدة طائرتهم العمودية فاستشهد ثلاثة عليهم رحمة الله وأصيب ثلاثة منهم الشيخ البطل زايد بن حمدان بن زايد آل نهيان، شفاه الله وحفظه، ثُلّةٌ من الصادقين الذين برهنوا أنّه لا أغلى من الوطن، وأنّ المبادئ العظيمة مكانها المواقف التي تجف بها الأرياق وليس مكانها صفحات الكتب والأوراق.
وأنّ الرجولة أن تتقدّم عندما يُحجِم البقيّة وأن تقف راسخاً عندما تهب أعاصير الشر ويلجأ الصغار إلى المخابئ، وأنّ الصدق ليس كلمةً تُقال ولكنّه فعلٌ يرفع به مَن وراؤك رأسه، وأن إرْث الأجداد المؤسسين يحمله رجالٌ مخلصون لن يهنوا في حمايته، وأنّ وطن زايد رحمه الله سيبقى حُرّاً أبياً مُكرّماً ما دامت تنزف لأجل كرامته دماء جراحات زايد !
نقلا عن "البيان"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة