"اللغة الثالثة".. سلاح الإعلام لتبسيط العربية أم تشويهها؟
مع حلول "اليوم العالمي للغة العربية" تقف "العين الإخبارية" على رأي المختصين حول اللغة الإعلامية المسماة اصطلاحا بـ"اللغة الثالثة".
كانت اللغة العربية المستخدمة في وسائل الإعلام -وما تزال- محط شد وجذب بين خبراء اللغة الذين يعتبرونها تشويها وتقريعا للغة لطالما اتسمت بالبلاغة والفصاحة، وتيار يرى فيها وسيطا بين الفصحى والعامية، والعربية والأجنبية، لتبسيط الكلمات أمام جمهور المشاهدين أو المستمعين أو القراء.
ووسط هذا الصراع الذي لا ينتهي ومع اقتراب حلول "اليوم العالمي للغة العربية"، تقف "العين الإخبارية" على رأي المختصين حول صحّة هذا الرأي أو ذاك تجاه اللغة الإعلامية المسماة اصطلاحا "اللغة الثالثة".
لغة هجينة
في تعريفه لـ"اللغة الثالثة" يشير محمد سميسم، مدرب مهارات اللغة العربية والإلقاء للإعلاميين، إلى أنَّها لغة هجينة ما بين العربية الفصحى واللهجات، وهي أقرب للفصحى منها إلى العامية رغم اشتراكها مع الأخيرة بصفات وخصائص هامة، أبرزها التخلص من التشكيل الذي يجد كثير من الإعلاميين صعوبة في التعامل معه، لكونه يكشف عن أخطاء سماعية يعرفها حتى غير المختصين وربما غير المتعلمين أصلا، وهنا يكون تسكين الكلام ملجأ لهؤلاء الإعلاميين لكون التسكين هو حالة لا تشكل خطأ مطلقا.
وفي حديثه لـ"العين الإخبارية" يضيف سميسم: "من وجهة نظري اللغوية لا يمكن للتسكين أن يكون حلا مطلقا، بل عند الوصل يجب التشكيل، وهنا يستطيع الإعلامي المتمرس أن يطوع مبدأ التشكيل والتسكين لتعزيز المهارات الصوتية الإلقائية والأدائية لإيصال رسالته أو المحتوى المقدم للجمهور"، وقد يلجأ إعلاميون إلى استخدام صيغ هي خطأ في اللغة لكن شاع استخدامها، وبينما يبقى البعض صارما في الاعتماد على اللغة القاموسية، يعد آخرون هذه الاستخدامات الجديدة تطورا للغة.
أخطاء شائعة لكن دارجة
ومن الأمثلة التي يطرحها سميسم حول ذلك: عبارة الربط الشائعة "من جانبه أعلن الوزير ..." فهذه العبارة، وفق قوله "خطأ لغوي" لأن فيها تقديم للضمير على المضمر، أي أن الهاء في "من جانبه" ضمير عائد على كلمة لاحقة وهي وزير، ومثلها أيضا كلمة "متواجدة" التي ليس لها علاقة بالوجود وإنما بالوجد وهي شائعة تستخدمها كبرى المحطات، وكذلك كلمة "مقتل" وهي تشير إلى مكان القتل وليس إلى المصدر "قتل"، ولكنها أيضا شائعة في وسائل الإعلام.
وفي ضوء كل ذلك يرى سميسم أنّ على الإعلامي أن يكون متوسطا لهذا الصراع بين محاولة الحفاظ على سلامة اللغة العربية، وبين سهولة واعتياد اللهجة المحكية، مع ضرورة التركيز على أن اللهجة قد تكون حاجزا أمام وصول المحتوى إلى فئة أوسع من الجمهور، وختم سميسم حديثه لـ"العين الإخبارية" قائلا: "في كل الأحوال عندما نتحدث عن التشكيل؛ فإن اللغة الإعلامية لا تعني الخطأ بقدر ما تعني التخلص من القواعد بالتسكين والعفوية".
اشتراطات لغوية
هناك تيار أكاديمي لا يعارض طرح اللغة الثالثة إعلاميا، ولكن وفق اشتراطات يجب الالتزام بها، ومن أنصار هذا الرأي محمد رضي الشامسي، الأكاديمي وأستاذ اللغة العربية السعودي، حيث يرى ضرورة المحافظة على سلامة العربية من حيث الموازين اللغوية، والقواعد الصرفية والنحوية، وكذلك ضرورة الاقتراب من اللغة الأدبية التي كان يمارسها الرواد في العقود الماضية.
وبينما يرفض البعض استخدام اللغة الأدبية في وسائل الإعلام باعتبارها لغة معقدة وصعبة على الفهم، يتجه آخرون إلى قبول استخدامها ولكن في إطار برامج معينة، حيث يشير الدكتور والأستاذ الجامعي تيسير المشارقة في كتابه "مبادئ في التحرير واللغة الصحافية "إلى أن لغة الأدب تنفع في البرامج التعليمية والمتخصصة، ولكنها لا تنفع في التقارير الإخبارية للناس كافة".
وطالما لغة التلفزيون والإذاعة لكل الناس، فينبغي أن تكون "لغة وسطى" بين العامية والأدبية، كي يفهمها الأغلبية، ويمكن أن تكون لغة "ذات سلطة" أي أن ترتقي بالذائقة، بأن تقترب من "لغة الأدب" أكثر من "لغة الشارع" لكي ترفع من هامة الناس اللغوية.
تبسيط الفهم
ومن الإشكاليات التي تواجه وسائل الإعلام والقطاع التعليمي، ما يتعلق بالترجمات العلمية عن اللغات الأجنبية، حيث تضطر المؤسسات الإعلامية إلى استخدام الكلمات الأجنبية كما هي بلفظ عربي، وذلك إما بسبب عدم وجود ترجمات أو لصعوبة الألفاظ التي تعتمدها مجامع اللغة العربية، كما في مصطلحات الطب والعلوم الأخرى، ومثال ذلك كلمة "ليزر"، حيث يتم كتابتها كما هي بدلا من استخدام التعريب الذي وضعه مثلا مجمع اللغة العربية في سورية "الضوء المضخم للبث المنظم الإشعاع"، وكذلك تستخدم وسائل الإعلام لفظ التلفزيون بدل الكلمة المعربة "الرائي"، و الراديو بـدل "المذياع".. إلخ.
aXA6IDMuMTI5LjIxNi4xNSA= جزيرة ام اند امز