ثلاث قصص مصرية
في هذا العقد، فإن المؤرخين في العصور المقبلة سوف يجدون 3 قصص تحكي ما حدث ويحدث في مصر.
التاريخ المصري قديم وممتد، والشائع أنه بدأ قبل خمسة آلاف عام ومئتين عندما قام الفرعون "مينا نارمر" بتوحيد "القُطرين الشمالي والجنوبي" لكي يبدأ العد والكتابة عن هذا الزمن وما بعده من زمن آخر.
والحقيقة أن التاريخ المصري أكثر عمقا من ذلك، فعرفت الربوع المصرية قبل التوحيد ممالك وإمارات صغيرة دارت حول مدن صغيرة لا يزال بعضها قائما حتى الآن، قامت فيها الحضارة، وبدأت أول الثورات الزراعية في تاريخ البشر. وكُتَّاب التاريخ عادة ما يقسمون على سبيل التبسيط التاريخ المصري إلى قسمين: أولهما ممتد لثلاثة آلاف عام من المجد، قيل إن مصر فيها كانت تماثل الولايات المتحدة في عالم اليوم، حيث كانت هي التي لا تقدم فقط لعلوم الزراعة، وإنما للبناء والطب، والعلوم القديمة عامة، فضلا عن جيش يصل إلى أنحاء العالم المعمور.
وثانيهما ممتد أيضا لثلاثة آلاف عام أخرى جاء فيها الغزاة إلى مصر من كل حدب وصوب، بداية بالفرس واليونانيين الهيلينيين والرومان، وانتهاءً بالأتراك والفرنسيين والإنجليز، والإسرائيليين. وفي هذا التقسيم نوع من التبسيط، فلا كان القسم الأول كله سعادة وانتصارات، ولا كان القسم الثاني كله تعاسة وهزائم. وما يهمنا في الحقيقة هو مئتا عام الأخيرة، أو أكثر قليلا، وبالتحديد منذ تولي الوالي محمد علي حكم مصر في عام ١٨٠٥، حيث بدأ النضال المصري من أجل الحداثة الذي مر بقرنين من الصعود والهبوط، وبالحكم الملكي والحكم الجمهوري، وفي كلاهما كان الصعود والهبوط في حلقات من المحاولة والفشل، كان لكل منهما نجومه وزعاماته حتى وصلت المحصلة إلى الحلقة الأخيرة من النضال من أجل الحداثة في ثورتين في بداية العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين وبالتحديد في 25 يناير/كانون الثاني 2011 و30 يونيو/حزيران 2013.
خلاصة الثورتين كان أن النظام السياسي وتبعاته الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لا يمكنه الاستمرار لأكثر مما قدر له، وأن ثورة 23 يوليو التي نبت منها هذا النظام قد وصلت إلى نهايتها.
الثورتان وضعتا مصر على نقطة بداية حلقة جديدة من تاريخها؛ نضالا من أجل الحداثة من ناحية، وبحثا عن التنمية المستدامة من ناحية أخرى، فلا تكون هناك ردة أو انكسار. ورغم أن الوقت لا يزال مبكرا لتأريخ ما جرى ويجري لمصر في هذا العقد، فإن المؤرخين في العصور القادمة سوف يجدون 3 قصص تحكي ما حدث ويحدث.
القصة الأولى هي الرئيسية وعنوانها "مصر الجديدة"، وجوهرها هو التعبير عن الوطنية المصرية التي يمضي فيها الجيش والشعب يدا بيد، ففي الثورتين خرج الناس إلى الشوارع والميادين، وفي اللحظات الفاصلة دعا الشعب القوات المسلحة لكي ترعى عملية التغيير والاستمرار فيه. ولا شيء يلخص هذه المرحلة من التاريخ المصري قدر ما حدث مبكرا بعد الثورة الثانية عندما دُعي الشعب المصري للمشاركة في إنشاء "تفريعة" جديدة لقناة السويس لكي تزيد من القدرات التنافسية للقناة مع طرق أخرى أرادت الحصول على نصيب من التجارة العالمية بين الشرق والغرب؛ ومن ناحية أخرى تفتح الباب لتنمية شاملة على محور قناة السويس زراعة وصناعة وخدمات ومعبرا بين الدلتا المصرية في الغرب، وسيناء المصرية في الشرق. المشروع تم في عام واحد، وكان من أوله لآخره تمويل مصري خالص.
وقد شكلت دروس المشروع محاور الحركة المستقبلية في رؤية مصرية للتنمية المستدامة أو مصر 2030. وأول ملامحها اتخاذ جميع "القرارات الصعبة" التي غفلت أو ترددت القيادات السابقة عن اتخاذها، خاصة في أمور الاقتصاد والمجتمع التي لم يعد ممكنا تجاهلها في مسيرة مصر نحو الحداثة والتقدم.
وثانيها أن التجربة في الدول التي نجحت في عبور التخلف، وتحقيق التقدم، كانت هي الدول التي نجحت في الحفاظ على معدل نمو عالٍ تجاوز 8% سنويا في حالات كثيرة (الصين وكوريا الجنوبية وباقي النمور والفهود الآسيوية).
وخلال السنوات الخمس الماضية خرجت مصر مما يشبه معدل سلبي للنمو، إلى تحقيق نمو إيجابي وصل حاليا إلى 5.6% على الطريق إلى المعدل المطلوب، وحدث ذلك مع كل المؤشرات الكلية للاقتصاد.
وثالثها أن تكون التنمية شاملة جغرافيا لأقاليم مصر المختلفة في الدلتا والصعيد وسيناء وسواحل البحر الأحمر والأبيض المتوسط؛ بقدر ما هي شاملة لكل المصريين بطوائفهم المختلفة من نساء ورجال، ومسلمين ومسيحيين.
ورابعها التوازن في السياسة الخارجية المصرية في أبعادها المختلفة العربية والأفريقية من ناحية، وبين السياسة الخارجية والقدرات المصرية من ناحية أخرى.
تفاصيل كل ذلك كثيرة ومتعددة، فالقصة لا تزال جارية، وأمامها تحديات غير قليلة أبرزها الزيادة السكانية، ولكن هذه هي الأخرى عملية نضالية تعبر بمصر من العقد الثاني إلى العقد الثالث من القرن الحالي. ولكن قصة "مصر الجديدة" توجد على يمينها قصة أخرى يروج لها تنظيم الإخوان الإرهابي وتابعيهم من الجماعات الإرهابية المختلفة وعادة ما تبدأ من "قصة اعتصام رابعة" التي تبدأ من 14 أغسطس/آب 2013 التي بعد تفويض من الشعب المصري في 26 يوليو/تموز للقوات المسلحة تم وضع نهاية لما عرف باعتصام رابعة (ميدان مسجد رابعة العدوية) وحكم تنظيم الإخوان الإرهابي ومحاولتهم للردة على ثورة يونيو 2013 بخلق دولة دينية يظنونها هي تفضيل الشعب المصري وكل الشعوب العربية والإسلامية، وتلقى العون من دولتي تركيا وقطر، ومعهما مجموعة من المراكز المنتشرة في العالم الغربي. "قصة رابعة" قام على أكتافها حركات إرهابية متعددة حاولت تهديد الأمن المصري من ناحية وتشويه الصورة المصرية في العالم من ناحية أخرى.
وفي ذلك التقى تنظيم الإخوان الإرهابي وقصتهم مع قصة أخرى جاءت من اليسار هذه المرة، حيث توجد جماعات من "الليبرالية" المزعومة تحاول أن تبث عن مصر قصة ثالثة عنوانها "جمهورية الخوف" التي تتجمع فيها جماعات وجمعيات لحقوق الإنسان وتستغل تواجدها في العالم الغربي، وعلاقاتها مع جمعيات حقوقية وإعلامية دولية بدءا من "العفو الدولية" وليس انتهاءً "بالهيومان رايتس وواتش"، لكي تضع مصر ومسيرتها نحو الحداثة والتنمية في خانة دول في المنطقة استبد فيها الاستبداد وانتهت حاليا إلى نماذج للانقسام الوطني والحرب الأهلية والعنف والدمار العام.
ووجدت هذه القصة ملاذا في التكنولوجيات الحديثة لأدوات التواصل الاجتماعي لكي تخلق البلبلة وتقيم التشهير خاصة في الصحافة والإعلام الدولي الذي سرعان ما يقف أمامه التقارير الدولية عن مسارات القصة الأولى.
والحقيقة أنه لا يوجد تنافس بين القصص الثلاث، لأنه بينما تجد القصة الأولى ما تقدمه من دلائل على أرض الواقع، فإن القصتينِ الثانية والثالثة تقعان في دائرة الإعلام الدولي. وفي قصة الإخوان توجد مسيرة الفشل الجارية في دول اتبعت منهجهم مثل أفغانستان وإيران وغيرها حينما اختلط الدين بالسياسة؛ أما قصة الليبراليين فإن منهجهم يواجه أزمة عالمية وتقهقر على جميع الجبهات يظهر في الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي، وصعود اليمين المتطرف سواء إلى السلطة في عدد من الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية والهند، أو إلى الحصول على مقاعد أكثر في البرلمانات كما هو الحال في البرلمان الأوروبي وألمانيا وفرنسا ودول أوروبية أخرى.
فيما يخص مصر فإن الحرائق التي أضرمها أنصار قصة "رابعة" في الكنائس والمساجد؛ والتشهير الذي ينفخ فيه أنصار "جمهورية الخوف" شكلت مجرد تحدٍ آخر يضاف إلى تحديات أخرى تواجهها بقوة قصة "مصر الجديدة".
aXA6IDE4LjIxOS40Ny4yMzkg جزيرة ام اند امز