ما الميقات المكاني للحاج عن المتوفى؟
تشهد دار الإفتاء المصرية في هذه الأيام سيلاً من الأسئلة المتعلقة بفريضة الحج والأمور المتعلقة بها.
وأجابت الدار عبر موقعها الرسمي عن سؤال يقول صاحبه: "أنا مصري مقيم في الإمارات توفي لي قريب من مصر لم يحج عن نفسه مع استطاعته الحج، فهل يجب عليّ أن أحج عنه؟ وإذا كان يجب فما هو الميقات الواجب عليّ أن أحج منه؟".
وردت دار الإفتاء على هذا السؤال قائلة: "هذا السؤال يتكون من شقين، الأول الحج عن الميت المستطيع، والثاني ميقات من يحج عن غيره".
الشق الأول أصدرت دار الإفتاء بشأنه مجموعة فتاوى خلال السنوات السابقة، ومفادها: أن مَن استطاع الحج فلم يحج حتى مات وجب الإحجاج عنه من تركته، لما روي أن رجلًا قال: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ أَبِي مَاتَ وَلَمْ يَحُجَّ، أَفَأَحُجُّ عَنْهُ؟ قَالَ: "أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ عَلَى أَبِيكَ دَيْنٌ أَكُنْتَ قَاضِيَهُ؟" قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: "فَدَيْنُ اللهِ أَحَقُّ" رواه النسائي، فشبَّه الرسولُ صلى الله عليه وآله وسلم الحجَّ بالدَّين الذي لا يسقط بالموت، فوجب أن يتساويا في الحكم.
وتابعت الدار: "يشترط فيمن يحج عنه أن يكون قد حج عن نفسه، لما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ: لَبَّيْكَ عَنْ شُبْرُمَةَ، قَالَ: "مَنْ شُبْرُمَةُ؟" قَالَ: أَخٌ لِي أَوْ: قَرِيبٌ لِي قَالَ: "حَجَجْتَ عَـنْ نَفْسِكَ؟" قَالَ: لا، قَالَ: "حُجَّ عَنْ نَفْسِكَ ثُمَّ حُجَّ عَنْ شُبْرُمَةَ" رواه أبو داود وابن ماجه، وصححه ابن حبان.
أما الشق الثاني: فقد اختلف فقهاء المذاهب في ميقات النائب عن الغير في الحج، هل هو ميقات النائب أو المنوب عنه، فيرى الحنفية والحنابلة أن مَن حجّ عن غيره فإن ميقاته المكاني ميقات مَن يحج عنه، فلو أن كوفيًّا حج عن مصري فإن ميقاته ميقات أهل مصر لا العراق، واستدلوا على ذلك بأن الحج واجب على الميت من بلده، فوجب أن ينوب عنه منه، لأن القضاء يكون على وفق الأداء كقضاء الصلاة والصيام.
ويرى المالكية التفصيل، فإن عين للنائب موضع للإحرام بأن يحج من بلد كذا فعليه الالتزام بميقات هذا البلد ولو كان غير بلده أو بلد المتوفى، وإلا بأن لم يُعيَّن له موضع فالمعتمد عندهم أنه يحرم من بلد العقد أي عقد الإجارة أو الوكالة، فيحرم الوكيل من ميقاته هو.
أما الشافعية ففرقوا بين حجة الإسلام والتطوع، فقالوا بقول الحنفية والحنابلة في حجة الفرض، وبقول المالكية في حج التطوع.
واختتمت الدار فتواها قائلة: على ما ذكر فعلى قريب المتوفى الإحجاج عنه من تركته، سواء بنفسه أو باستئجار من يقوم بذلك، أما عن ميقاته المكاني فالأولى أنه ميقات المنوب عنه لا النائب، خروجًا من الخلاف، فعليه الإحرام من ميقات أهل مصر، ونرى بخصوص حالة السائل أنه إذا شق عليه ذلك فالأمر فيه سعة، فله أن يقلد المالكية فيُحرم من ميقاته هو لا ميقات قريبه، وميقاته هو ميقات أهل نجد "قرن المنازل" ويسمى حاليًّا "السيل الكبير"، ولا يلزمه شيء في هذه الحالة، ولا حرج عليه، والله سبحانه وتعالى أعلم.