توماس كارلوفيتش.. زاهد توج مسيرته الصفرية باعتراف مارادونا التاريخي
"من هو اللاعب الأفضل في تاريخ كرة القدم؟"، سؤال بسيط يثير جدلا واسعا ونقاشات حادة بين المشجعين بمختلف انتماءاتهم.
البعض يختار ليونيل ميسي كأفضل لاعب في تاريخ كرة القدم، وآخرون يختارون كريستيانو رونالدو، فيما يذهب البعض لاختيار بيليه أو دييجو مارادونا.
في جميع الأحوال لن يكون الأرجنتيني الراحل توماس كارلوفيتش أحد الخيارات المطروحة أمام المشجعين لاختيار اللاعب الأفضل في التاريخ، فقد كان لاعبا مغمورا لم يصل صيته خارج الأرجنتين، في الوقت الذي كان فيه مواطنه مارادونا معشوقا لجماهير الكرة في أنحاء العالم، وتتصدر صورته أغلفة الصحف والمجلات داخل البلد اللاتيني وخارجه.
الأفضل في روزاريو
قبل سنوات قليلة من انتهاء مسيرته، انضم مارادونا إلى نيولز أولد بويز الأرجنتيني عام 1993، وعقب انتقاله إلى النادي قال له أحد الصحفيين: "هل يمكننا القول إن نيولز أولد بويز أصبح لديه أفضل لاعب في التاريخ؟".
مارادونا تجاهل العداء بين نيولز أولد بويز وجاره روزاريو سنترال، وأجاب عن هذا السؤال بقوله: "أفضل لاعب في العالم لعب بالفعل في روزاريو، وكان اسمه توماس كارلوفيتش".
في مطلع العام الحالي التقى كارلوفيتش مع مارادونا في مدينة روزاريو، حيث كان الأخير يستعد لخوض مباراة مع فريق خيمناسيا لا بلاتا الذي يتولى تدريبه، وقال النجم الفائز بكأس العالم 1986 مع الأرجنتين لمواطنه: "لقد كنت أفضل مني"، ورد توماس بقوله: "الآن أستطيع أن أموت في سلام".
من هو توماس كارلوفيتش؟
بدأ لاعب الوسط السابق مسيرته الكروية عام 1969 مع روزاريو سنترال، ولعب لعدة أندية متواضعة في الأرجنتين حتى نهاية مسيرته عام 1983 مع سنترال كوردوبا.
اللاعب صاحب الأصول الكرواتية لم يسبق له الانضمام إلى منتخب الأرجنتين رغم ما عرف عنه من موهبة فذة، وسنحت له الفرصة لنيل شرف تمثيل بلاده قبل مونديال 1974، حين قرر القائمون على المنتخب خوض مباراة ودية مع فريق من لاعبي روزاريو، يضم 5 من نيولز أولد بويز، و5 من روزاريو سنترال، ولاعب من سنترال كوردوبا.
فلاديليو كاب، مدرب منتخب الأرجنتين وقتها، قرر عدم اختيار توماس كارلوفيتش، رغم مساهمته الواضحة في فوز الفريق المحلي 3-1 على نجوم التانجو.
كارلوفيتش الذي كان يلقب بالـ"El Trinche"، وتعني "الشوكة" باللغة الإسبانية، اشتهر بقدرته على المراوغة واختراق دفاعات الخصم، وامتلك مهارة مميزة، حيث يقوم بتمرير الكرة بين أقدام المنافسين مرتين في نفس اللعبة.
مارادونا لم يكن النجم الوحيد المفتون بمهارة كارلوفيتش، حيث قال عنه خوسيه بيكرمان، مدرب منتخب الأرجنتين وكولومبيا سابقا، إنه أعظم لاعب رآه في حياته، كما وصفه خورخي فالدانو، النجم الأرجنتيني السابق، بـ"رمز كرة القدم الرومانسية التي لم تعد موجودة".
في وقت سابق وصف فيكتور بوتانيز، المدافع الأرجنتيني السابق، طريقة لعب كارلوفيتش بقوله: "مواجهته كانت محنة وعذاب، وفي نفس الوقت يتمتع من أمامه برؤية ما يفعله بالكرة، توماس امتلك كل الإمكانيات التي تسمح له بالنجاح في المستوى العالي، لكنه اختار الحياة الهادئة".
النجم الزاهد
رغم مهارته وموهبته الفطرية، كان كارلوفيتش زاهدا في المظاهر والامتيازات التي يحصل عليها نجوم الكرة والمشاهير عموما، وكان يكتفي بممارسة اللعبة كهواية تشعره بالسعادة، وتمنحه ما يلزم لكي يعيش، وليس أكثر من ذلك.
كارلوفيتش، الذي لم يلعب سوى عدد قليل جدا من المباريات في دوري الدرجة الأولى الأرجنتيني، وصف اللعب في سنترال كوردوبا بارتداء قميص ريال مدريد بالنسبة له، كما قال في تصريحات أخرى: "كنت ألعب نفس الشيء دائما وبنفس الجهد، ربما لو ذهبت إلى فرنسا أو أمريكا، وهي فرصة أتيحت لي قبل ذلك، لتغيرت حياتي".
ودفع كارلوفيتش عن نفسه تهمة الاستهزاء بالخصوم، حيث قال: "أحيانا كنت أجلس على الكرة أثناء المباريات، ولكني فعلت ذلك فقط لأستريح، وليس للسخرية من المنافسين، أسلوبي في لعب كرة القدم كان متواضعا للغاية، تماما كما كانت حياتي".
كذلك قال كارلوفيتش في تصريحات سابقة: "الكثير من الأمور غير الصحيحة قيلت عني، لكن الأمر الحقيقي هو أنني لم أحب أبدا الابتعاد عن الحي الذي نشأت فيه، حيث يوجد منزل والدي، وأصدقائي، وأرتولا الذي علمني كيفية ركل الكرة في صغري".
كارلوفيتش اشتهر بحبه لمدينة روزاريو التي عاش بها طوال حياته، حتى إنه تعمد الحصول على بطاقة حمراء في إحدى المباريات حين كان لاعبا لفريق إندبندينتي ريفاديفا المنتمي لمدينة مندوزا، لكي يتمكن من اللحاق بالحافلة العائدة إلى مسقط رأسه.
وبعدما فاته قطار المنتخب عام 1974، تجاهل كارلوفيتش دعوة المدرب سيزار مينوتي لخوض مباراة ودية مع "التانجو" قبل مونديال 1978، وفوّت على نفسه إمكانية المشاركة مع الفريق الذي توج بالمونديال في ذلك العام.
وكما عاش كارلوفيتش حياته بهدوء في روزاريو، رحل عن عالمنا دون ضجة في أحد شوارع مدينته المحببة، حيث لقي مصرعه في مايو/آيار الماضي بعدما ضربه أحد المراهقين على رأسه، محاولا سرقة دراجته، بعد أيام من عيد ميلاده الـ71.