حرب التجارة بين الصين وأمريكا تحرق الشركات الكبرى.. قائمة الضحايا تتسع
انهيار تينسنت وهبوط تسلا
الحرب التجارية التي بدأت بتعريفات متبادلة بين واشنطن وبكين عام 2018، لا تزال مستمرة رغم مرور 7 سنوات، ويزداد لهيبها مع تصاعد الصراع، كما يزداد أيضاً عدد ضحاياها.
مع إعادة انتخاب دونالد ترامب، سوف تشتد حدة هذه الحرب في 2025. لكن يبدو أن هذه الحرب التجارية لن تتوقف عند حدود الصين وأمريكا، وإنما ستنتشر جغرافياً أيضا.
ويتزايد عدد الدول التي يتم جرها إلى مشاحنات بشأن التجارة، مما يفرض قرارات صعبة على الحكومات، كما ستزداد أيضاً خسائر وأضرار العديد من الشركات الكبرى التي ستدفع ثمن هذا الصراع الباهظ، ولعل تراجع أسهم شركة التكنولوجيا الصينية "تينسنت هولدينغز" لإدراجها على قائمة الشركات العسكرية الصينية من قِبل وزارة الدفاع الأمريكية هو أحد الأمثلة الصارخة لضحايا هذه الحرب.
- قفزة في أسعار الشحن البحري العالمية.. ماذا ينتظر التجارة الدولية في 2025؟
- عقوبات أمريكا تمنع سوريا من استيراد القمح والوقود
من زاوية أخرى، فإن الولايات المتحدة كثّفت في الآونة الأخيرة جهودها لتقييد نقل التقنيات المتقدمة إلى الصين، حيث ألغت العام الماضي بعض التراخيص لبيع الرقائق الإلكترونية لشركة "هواوي" في مايو/أيار، وكشفت في سبتمبر/أيلول عن قيود تصدير شاملة تستهدف التقنيات الحساسة، بما في ذلك الحوسبة الكمومية ومنتجات أشباه الموصلات.
تراجع أسهم تينسنت
بحسب CNBC عربية، تراجعت أسهم شركة التكنولوجيا الصينية تينسنت هولدينغز Tencent Holdings المالكة لوي شات (فيسبوك الصين) بنسبة تقارب 8% في بورصة هونغ كونغ، وذلك عقب إدراجها ضمن قائمة "الشركات العسكرية الصينية" من قبل وزارة الدفاع الأمريكية.
هذا التراجع يعكس انخفاضاً مماثلاً بنسبة 8% في شهادات الإيداع الأمريكية لشركة "تينسنت" في بورصة وول ستريت.
كما شمل الإدراج شركات صينية أخرى، منها شركة "كاتل CATL" المصنعة للبطاريات، والتي تُعد جزءاً من سلسلة توريد شركات السيارات مثل فورد وتسلا.
وتراجعت أسهم "كاتل" بنسبة وصلت إلى 5.6% قبل أن تقلص خسائرها إلى 2.8% في بورصة شينزين.
وبحسب "قانون تفويض الدفاع الوطني" لعام 2024، ستُمنع وزارة الدفاع الأمريكية من شراء السلع أو الخدمات بشكل مباشر من الكيانات المدرجة على القائمة بحلول يونيو/حزيران 2026، وبشكل غير مباشر اعتباراً من يونيو/حزيران 2027.
وفي تعليقها على القرار، وصفت شركة "تينسنت" إدراجها ضمن القائمة بأنه "خطأ واضح"، قائلة في بيان: "نحن لسنا شركة عسكرية أو مورداً للجيش، وعلى عكس العقوبات أو ضوابط التصدير، فإن هذا الإدراج لن يؤثر على أعمالنا".
كما وصفت "كاتل" هذا التصنيف بأنه "خطأ"، مؤكدة أنها لا تنخرط في أي أنشطة ذات صلة عسكرية.
وأشار المحلل المالي البارز في شركة "مورنينغ ستار"، إيفان سو، إلى أن "تينسنت" قد تتمكن من إزالة اسمها من القائمة عبر المحاكم الأمريكية، بالنظر إلى نموذج أعمالها الذي يعتمد بشكل أساسي على الشبكات الاجتماعية والألعاب الإلكترونية.
خسائر تسلا
على الجانب الأمريكي، كشفت شركة تسلا، الأسبوع الماضي، عن تراجع مبيعاتها للسيارات على مدى عام كامل، في نتيجة مخالفة لتوقعات الشركة تعد مؤشرًا الى ازدياد المنافسة في سوق العربات الكهربائية من الصين وغيرها.
وأفادت الشركة التي يملكها إيلون ماسك بأنها سلّمت 495570 سيارة في الفصل الرابع، ليبلغ المجموع للعام بكامله أقل من 1,8 مليون مركبة.
وهذا العدد أقل بنحو 1,1% من مبيعات العام 2023، رغم أن تسلا أفادت في أكتوبر/تشرين الأول الماضي بأنها تتوقع "نموًا ضئيلًا" في عمليات تسليم المركبات عام 2024.
وأشارت الشركة إلى أن مرحلة تراجع المبيعات الحالية تعكس موقعها "بين موجتَي نمو كبيرتين"، وبينما شهد العام 2024 انتشارًا لشاحنة "سايبر تراك" المتطورة التي تنتجها تسلا، واجهت الشركة صعوبات في إطلاق مركبات جديدة أخرى.
كما واجهت تسلا ضغوطًا تنافسية من منتجين آخرين للسيارات، لا سيما في الصين حيث شركة تصنيع السيارات الكهربائية "بي واي دي".
التسوية أو التصعيد
يرى الخبراء أن الصين التي سيواجهها الرئيس المنتخب دونالد ترامب في عام 2025 تختلف جوهريا عن تلك التي واجهها عندما بدأت إدارته الأولى في عام 2017، أو حتى تلك التي تفاوض معها على صفقة تجارية قرب نهاية فترة ولايته.
لا يوجد تهديد حالي للنظام الاقتصادي الليبرالي أعظم من الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة. وتُعَد التعريفات الباهظة التي فرضتها الولايات المتحدة على السيارات الكهربائية الصينية، والتي يحاكيها الاتحاد الأوروبي وغيره، أحدث طلقة في هذه الحرب.
وبعدما أعيد انتخاب الرئيس دونالد ترامب، فإنه يَعِد بفرض تعريفة جمركية إضافية بنسبة 60% على الصين، و10% على جميع الشركاء التجاريين، وهو ما قد يكون بمثابة الضربة القاضية لمنظمة التجارة العالمية المتعثرة.
ومن الصعب التنبؤ بالنتيجة. فالحرب التجارية بين القوى العظمى لن تنتهي باستسلام أحد الأطراف. ولن تختفي الصين كما حدث مع الاتحاد السوفييتي. وهذا يترك احتمالين: التسوية أو التصعيد الذي يؤدي إلى الانفصال الاقتصادي.
قلب سلاسل الإنتاج
إن الفصل الصريح لن ينهي المعارك التجارية في أسواق ثالثة، ولكنه من شأنه أن يقلب سلاسل الإنتاج العالمية رأساً على عقب ويحمل تكاليف اقتصادية ضخمة. وسوف يصبح التعاون بشأن المناخ بين أكبر دولتين مصدرتين للانبعاثات أكثر صعوبة مما هو عليه بالفعل.
وما ينذر بالسوء أن الانقسام المتزايد الاتساع قد يؤدي إلى إجهاد التحالفات، وتشجيع الانتقاميين، والسماح لسباقات التسلح الإقليمية بالتسارع، وزيادة صعوبة احتواء الانتشار النووي ــ وكل الاتجاهات التي أصبحت واضحة بشكل مؤلم اليوم.
وفي أسوأ الحالات، قد يتسع الصراع في تايوان، أو بحر الصين الجنوبي، أو أوكرانيا إلى حرب عالمية. إن صراعاً كبيراً بين القوى النووية من شأنه، على حد تعبير هنري كيسنجر، أن "يجلب خسائر واضطرابات من المستحيل ربطها بأهداف يمكن حسابها".
ومع ذلك، من المؤسف أن الانفصال هو ما يبدو أنه الاتجاه الذي تتجه إليه الحرب التجارية.
الاتفاق التجاري والحلم المستحيل
إذن، هل من الممكن التوصل إلى اتفاق تجاري؟ تظل كل من الولايات المتحدة والصين مهتمتين بشكل حيوي بالتجارة، بما في ذلك التجارة فيما بينهما. وهذا يوحي بأن الجواب هو ربما يكون نعم.
وتظل الولايات المتحدة اقتصاداً مفتوحاً، ومرتبطاً بشكل لا ينفصم مع بقية العالم. وعلى الرغم من تدابير الحماية الصارخة الموجهة ضد الصين، فإن عائدات التعريفات الجمركية الأمريكية لا تزال تمثل 3% فقط من الواردات، أي أقل من عائدات الاتحاد الأوروبي.
وترتبط نحو 41 مليون وظيفة في الولايات المتحدة بالتجارة الدولية.
وتحصل أكبر الشركات الأمريكية على ما يزيد عن 40% من إيراداتها في الخارج، وترتفع إلى أكثر من 60% في قطاع التكنولوجيا. فالشعب الأمريكي أكثر دعماً للتجارة من الفرنسيين أو الألمان.
صعود التنين الصيني
علاوة على ذلك، فإن الخطر الاقتصادي الناجم عن صعود الصين ليس هو ما يعتقده الكثيرون في واشنطن. لقد تجاوز نمو الاقتصاد الأمريكي الاقتصادات الأخرى في البلدان المتقدمة على مدى العقدين الماضيين، وهو ما يعكس قدرته الإبداعية على اجتذاب المهاجرين ودمجهم.
وفي المقابل، فإن الاقتصاد الصيني، حيث لا يزال نصيب الفرد من الدخل (المعدل وفقاً للقوة الشرائية) يعادل ثلث نظيره في الولايات المتحدة فقط، ربما يقترب من حدود ما يستطيع قطاع الدولة الضخم تقديمه.
ويتوقع صندوق النقد الدولي أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي في الصين بنسبة 3% إلى 4%، أي أسرع بنحو 1.5% من النمو في الولايات المتحدة على مدى السنوات الخمس المقبلة. لكن هذه الفجوة قد تضيق.
لقد أصبحت الصين ورشة عمل العالم، ولكنها أصبحت أيضاً أقل اعتماداً على الصادرات مما كانت عليه في السابق.
ورغم أن حصة الصين في أسواق التصدير العالمية زادت بنحو 1.5 نقطة مئوية منذ بداية الجائحة، فإن التباطؤ الحاد في الطلب الناجم عن الإسكان في الصين وتسارع الطلب الناجم عن المالية العامة في الولايات المتحدة كانا مسؤولين عن كل الزيادة تقريبا.
ومع التكيف مع الدورة، فإن صادرات الصين لم تعد تسير على مسار متفجر، ويبدو أن حصتها في الأسواق العالمية استقرت بالقرب من 14%، وهو المستوى الذي حققته قبل ثماني سنوات. وقد تكون قطاعات مثل السيارات الكهربائية استثناءً، ولكن من المؤكد أن "هيمنة الصين" على الصناعة العالمية بلغت ذروتها.
aXA6IDMuMTcuMTU2Ljg0IA== جزيرة ام اند امز