مترجما "هاندكه" الحائز على نوبل: اللغة سر إبداعه المثير للجدل
لغة هاندكه تأخذ القارئ إلى غير رجعة خلال رحلة بين الأماكن والأزمنة، والمشاعر والأحاسيس، بين الواقع والعبث إلى حد الهلوسة.
أكد مترجمان لأعمال الكاتب النمساوي بيتر هاندكه، الذي حاز على جائزة نوبل للآداب، الخميس، أن لغته على رأس أسباب تميزه وهي سر إبداعه، إلى جانب أنه مثير للجدل في مواقفه الإبداعية والسياسية.
ووصف المترجم أحمد فاروق الذي ترجم له رواية "خوف حارس المرمى عند نقطة الجزاء" منتصف التسعينيات إلى اللغة العربية بـ"الثائر على سلطان اللغة".
وقال لـ"العين الإخبارية": "بدأت قراءاتي للأدب الألماني في لغته بفرانتس كافكا وهرمان هيسه وفريدريش دورينمات وبيتر هاندكه، كان ذلك مع بدايات دخولي الجامعة في أوائل التسعينيات وكان كل منهم اكتشافا في حد ذاته".
وأضاف: "لكن رواية (خوف حارس المرمى عند ضربة الجزاء) لهاندكه كانت هي العمل الأول الذي أتحمس بحق لترجمته، وبه كانت أول خطوة في مسيرتي كمترجم أدبي، ولقد كانت جرأة مني أن أقدم على عمل ترجمة عمل كهذا بكل ما يحمله من ألغام لغوية".
وتابع فاروق وهو صحفي مصري بـ"دويتش فيلا" يقيم في ألمانيا: "انبهرت بغرابة حبكتها اللغوية وتركيز هاندكه على تفكير البطل حارس المرمي طوال الوقت في جدوى الصياغات اللغوية ومعناها ودلالاتها بعد ارتكابه جريمة قتل عبثية وهروبه من فيينا إلى الريف".
واستطرد قائلاً: "أصبحت تساوره الشكوك في كل عبارة ينطقها هو أو من حوله، ويظن أنه مستهدف وملاحق، رغم أننا لا نرى في نهاية الرواية مثلاً كما الروايات البوليسية العادية تحققا للعدالة، فنحن نعيش في الرواية في ذهن حارس المرمى، هذا ما جذبني للعمل وقررت أن أترجمه وشاركني الترجمة الصديق خالد عباس طوبار ترجمة بعض الفصول".
وأكد وجود صعوبات في نقل التلاعب اللغوي في بعض المواضع، لأن هاندكه أيضاً كاتب تجريبي بجدارة عندما حوّل في لحظة ما الجُمل إلى رسوم، وهي أمور لم تنقل بشكل جيد في الطبعة العربية الأولى ولا الثانية.
ولفت فاروق الذي ترجم أعمالاً لفالتر بينامين وجونتر جراس إلى أنه انتهى من ترجمة العمل في حدود عام 1994، ونُشرت النوفيلا بشكل غير مُنقح وكتجربة أولى في دار "نوارة" للنشر، لكنه في عام 2001 أعاد تنقيح الترجمة وصدرت عن دار الجمل.
وأوضح مترجم رواية "خوف حارس المرمى عند نقطة الجزاء" أن الانشغال بهاندكه يعود أيضاً إلى جمالية شعرية خاصة يتميز بها، لغة بسيطة بتأثير غير مألوف، تبرز بشكل خاص في أعمال مثل رواية "الزنابير" التي ترجمها الدكتور مصطفى ماهر في الستينيات ولا توجد منها طبعة حالية.
وأيضاً في كتاب سردي مثل "حركة خاطئة" و"الرسالة القصيرة للوداع الطويل" أو كتابه عن سيزان "عبر القرى"، وفي "المرأة العسراء" الرواية المحببة إليّ، التي يستحق عنها وحدها جائزة نوبل.
وحدد فاروق جماليات كتابة هاندكه في الانشغال باللغة والتعامل النقدي معها، معتبراً أنه امتداد لسمة أدبية مميزة للأدب النمساوي، وتراث يمتد من هوجو هوفمنشتال عبر فتغنشتاين وكار ل كراوس مروراً بهاندكه ووصولاً إلى إلفريده يلينك.
لكن أعمال هاندكه في الستينيات والسبعينيات مثّلت ذروة حقيقية لنقد التدجين السياسي والاجتماعي عبر اللغة المستخدمة في الإعلام والسياسة.
من جانبها، وصفت المترجمة نيفين فايق التي ترجمت روايته "رسالة قصيرة للوداع الطويل" إلى اللغة العربية بـ"المثير للجدل"، وقالت: صدرت ترجمتي للرواية عن دار الجمل قبل 3 أعوام، لذلك فإن المترجم يتابع خبر فوز الكاتب الذي ترجم له بنوبل من خلال شعور مختلف، فهذا الفوز لا يعود خبرًا بل استعادة لتجربة خاصة".
وأضافت لـ"العين الإخبارية": "عندما ترجمت رواية (رسالة قصيرة للوداع الطويل) شعرت بما يشبه المسّ اللغوي، من تلك الرواية التي تشبه هاندكه نفسه، المثير للجدل والضجر معاً، فأعماله ليست مباشرة ولا طليعية بل هي لعبة مع النفس واللغة".
وتابعت: "إنها مغامرة يخوضها الكاتب والقارئ معاً، أما المترجم فهو يعيش طيلة الوقت مع الشك، حيث يتلاعب به هاندكه على مدى صفحات، يدور به بين كلمات قد تبدو بسيطة إلا أنها شديدة الحساسية والدقة، فقد يكون من الطبيعي أن يكون جل عمل المترجم بين المعاجم، لا سيما معاجم اللغة التي يترجم عنها".
وأشارت فايق إلى أن تجربتها مع هاندكه كانت أكثر مرة استخدمت فيها المعجم العربي، للتأكد من لغة الترجمة، ودقة المفردات التي اختارها لتوفي المعاني، حيث إن لغة هاندكه هي البطل الحقيقي، لأنها لغة تخاطب الحواس، تصيب بالدهشة، تضع المترجم في حالة شك مستمرة ليتأكد من دقة اللفظ ومطابقته لتلك الرائحة بعينها، أو هذا اللون على وجه التحديد، أو ذلك الصوت أو تلك الحركة أو الإماءة.
كما أوضحت أن لغة هاندكه تأخذ القارئ إلى غير رجعة خلال رحلة بين الأماكن والأزمنة، والمشاعر والأحاسيس، بين الواقع والعبث إلى حد الهلوسة، ثم يفيق ليسأل: ما الذي حدث؟.. ربما "لا شيء" فقد عرف منذ بداية مشواره الأدبي بأسلوبه المثير للجدل.