30 عاما من التوقيع.. "المعاهدة النووية" بين انسحاب ترامب وتحذير بوتين
بعد أكثر من 30 عاما من توقيعها انسحبت واشنطن من المعاهدة النووية التي وقعت في عام 1987
أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية، أمس الجمعة، تعليق التزاماتها في معاهدة الصواريخ النووية المتوسطة المدى المبرمة مع روسيا أثناء الحرب الباردة، وانسحاب واشنطن حسب الإدارة الأمريكية، جاء بعد اتهام موسكو بانتهاكها المعاهدة وإطلاق سباق تسلح جديد في أوروبا.
تاريخ "المعاهدة النووية"
بعد أكثر من 30 عاماً من توقيعها انسحبت واشنطن من المعاهدة النووية التي وقعت خلال عام 1987 بين الرئيسين الأمريكي رونالد ريجان والسوفيتي آنذاك ميخائيل جورباتشوف، بهدف التخلص من الأسلحة النووية ذات المدى المتوسط، خاصة الأسلحة الفتاكة لأنها لا تحلق إلا لفترة قصيرة.
وكذلك التخلي عن اختبار ونشر صواريخ نووية وتقليدية يتراوح مداها بين 500-5500 كم، وأتت بعد أن نشر الاتحاد السوفيتي هذه الصواريخ في أوروبا، ما أقلق الناتو وأدى إلى نشر أمريكا صواريخ مشابهة في أوروبا الغربية.
وبحلول مايو/آذار 1991، تم تنفيذ المعاهدة بشكل كامل، حيث دمر الاتحاد السوفيتي 1792 صاروخاً باليستياً ومجنحاً تطلق من الأرض، في حين دمرت الولايات المتحدة الأمريكية 859 صاروخاً.
ومنذ ذلك التوقيت تتبادل واشنطن وموسكو الاتهامات بانتهاك المعاهدة المذكورة، حيث تتحدث الولايات المتحدة عن تطوير روسيا فئة جديدة من الأسلحة وتخصص الأموال لتطوير الأسلحة المضادة، أما روسيا فتعترض على تطوير أمريكا طائرات بدون طيار الهجومية، ونقل منصات إطلاق المسموح بها من نوع "إم كي- 41" من السفن إلى البر، كما حدث في رومانيا وبولندا.
وتقول واشنطن إن منظومة الصواريخ المتوسطة المدى الروسية تنتهك المعاهدة، على الرغم من أن مسؤولين أمريكيين يقولون إن المعاهدة تفرض عليهم قيودا وتستثني الصين، القوة الآسيوية الصاعدة.
ترامب يعلن الانسحاب
أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في بيان، إنه ابتداء من السبت "ستعلق الولايات المتحدة جميع التزاماتها بمعاهدة الحد من الصواريخ النووية المتوسطة، والبدء في عملية الانسحاب من المعاهدة والتي ستكتمل خلال 6 أشهر، إلا إذا عادت روسيا للالتزام بالمعاهدة وتدمير جميع الصواريخ والمنصات والمعدات التي تنتهكها".
وأضاف أن "الولايات المتحدة التزمت بالمعاهدة بشكل كامل لمدة تزيد عن 30 عاماً، ولكننا لن نبقى مقيدين ببنودها فيما لا تفعل روسيا ذلك".
وقال وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو إن واشنطن، التي أعلنت رسميا عن قلقها قبل شهرين، ناقشت انتهاكات المعاهدة مع روسيا أكثر من 30 مرة.
وصرح بومبيو أثناء إعلانه عن القرار في مؤتمر صحفي أن "الانتهاكات الروسية تضع حياة ملايين الأوروبيين والأمريكيين في خطر أكبر، وتهدف إلى التفوق عسكرياً على الولايات المتحدة وتقوض فرص تحريك العلاقات الثنائية في اتجاه أفضل".
لكن بومبيو أكد أن واشنطن لا تزال راغبة في الدخول في مفاوضات مع روسيا حول ضبط الأسلحة، وتأمل في أن تلتزم روسيا بالمعاهدة.
وأضاف "تأمل الولايات المتحدة في أن نتمكن من إعادة علاقاتنا مع روسيا إلى وضع أفضل، ولكن الكرة في ملعب روسيا لتغيير مسارها الذي يتميز بالنشاطات التي تزعزع الاستقرار، ليس فقط في هذه المسألة ولكن في العديد من المسائل الأخرى".
كما واجه ترامب انتقادات في بلاده، حيث أعرب الديمقراطيون عن قلقهم بأن سياسة الرئيس "أمريكا أولا" رفضت اتفاقية دولية أخرى.
وقال النائب آدم شيف، رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس النواب، إن الانسحاب من المعاهدة "يهدد بحشد الأسلحة النووية التي تم وضع المعاهدة للحماية منه".
روسيا تحذر وأوروبا تدعم ترامب
تحذيرات واشنطن قبل الانسحاب رفضتها موسكو، حيث أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن انسحاب الولايات المتحدة من المعاهدة سيطلق سباق تسلح جديد.
وصرحت المتحدثة باسم وزارة الخارجية ماريا زخاروفا أن المسألة ليست في "تحميل روسيا المسؤولية بل في استراتيجية الولايات المتحدة للتنصل من التزاماتها القانونية الدولية في مختلف المجالات".
وصرحت بأن الولايات المتحدة لم تقدم "أي دليل ولا صورة قمر اصطناعي ولا شهادة" تثبت وجود انتهاك روسي.
من جانب آخر، سارع حلف شمال الأطلسي (ناتو) إلى إصدار بيان يؤكد "الدعم الكامل" للانسحاب الأمريكي من المعاهدة، وقال إن نظام صواريخ كروز التي تطلق من البر "9 M729" ويثير مداها القلق الأمريكي تنتهك المعاهدة.
لكن الأوروبيين أكدوا كذلك مخاوفهم من مخاطر انهيار المعاهدة، وأعربوا عن أملهم في التوصل إلى اختراق قبل انسحاب الولايات المتحدة من المعاهدة خلال 6 أشهر.
وقالت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل "بالنسبة لنا واضح أن روسيا انتهكت هذه المعاهدة، لذا.. علينا التحدث مع روسيا".
وصرحت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فيديريكا موجيريني أثناء اجتماع وزراء خارجية الاتحاد في بوخارست "ما لا نريد أن نراه بالتأكيد هو أن تعود قارتنا لتصبح أرض معركة أو مكاناً تواجه فيها القوى الكبرى بعضها".
ودعمت ليتوانيا ولاتفيا اللتان تخشيان من تهديد جارتهما العملاقة روسيا الانسحاب الأمريكي.
انهيار معاهدات أخرى
ما زاد من مخاوف أوروبا هو تحذير كبير المفاوضين من الجانب الروسي نائب وزير الخارجية سيرجي ريابكوف، أنه بعد انهيار المعاهدة فإن اتفاقية أخرى هي معاهدة الحد من الأسلحة الاستراتيجية (ستارت) يمكن أن تنهار.
وتنتهي هذه المعاهدة التي تحد من عدد الرؤوس النووية لدى واشنطن وموسكو عام 2121، وأشار ريابكوف إلى "سؤال كبير" حول ما يمكن أن يحدث بعد ذلك.
وفي تصريح للصحفيين رفض مسؤول أمريكي فكرة أن الولايات المتحدة تفتح سباق تسلح، وقال إن رؤية كيفية تصرف واشنطن عندما تخرج من المعاهدة سيستغرق وقتاً.
وأضاف "لأننا ملتزمون بالمعاهدة منذ فترة طويلة فقد أصبحنا بعيدين عن معرفة ما الذي نريد أن ننشره وأين".
ولم تتحدث الولايات المتحدة علناً عن الخطوات التي ستتخذها في حال خروجها من معاهدة حظر الصواريخ متوسطة المدى.
وعلى الرغم من أن العلاقات الأمريكية لا تزال متوترة مع روسيا، إلا أن مخططي الدفاع الأمريكيين ركزوا بشكل كبير على الصين بسبب إنفاقها العسكري المتزايد.
ويقول مسؤولون أمريكيون إنه لو كانت الصين شريكاً في معاهدة الحد من الصواريخ النووية المتوسطة المدى فإن نحو 95% من صواريخها الباليستية وصواريخ كروز -التي تشكل جزءاً جوهرياً من استراتيجية بكين الدفاعية- تنتهك تلك المعاهدة.
aXA6IDMuMjMuOTIuNjQg جزيرة ام اند امز