لا يمكن للقارئ المهتم بالسياسة السعودية بشكل عام أن يتجاوز التعاطي الحديث لها في حربها على التطرف والإرهاب
لا يمكن للقارئ المهتم بالسياسة السعودية بشكل عام، ونهجها الفكري على وجه الخصوص، أن يتجاوز التعاطي الحديث لها في حربها على التطرف والإرهاب. «السعودية الجديدة»، ومنذ الأيام الأولى لتسلم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز مقاليد الحكم، كان الإعلان عن مكافحة الإرهاب (وكل ما يؤدي إليه) أولوية تفوز باهتمام الدولة، ومنهجاً لعملها، وأرضية صلبة تنطلق منها الرؤى.
انطلاقاً من إعلان «التحالف الإسلامي العسكري لمكافحة الإرهاب»، في ديسمبر (كانون الأول) 2015، وتأسيس مركز عمليات مشترك لتنسيق ودعم العمليات العسكرية بقيادة المملكة، وإشراف مباشر من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وليس انتهاءً بافتتاح المركز العالمي لمكافحة الفكر المتطرف (اعتدال)، في مايو (أيار) 2017، مروراً بالعديد من الأحداث التي قادتها المملكة، كتأسيس مركز الملك سلمان للسلام العالمي في ماليزيا للتصدي لأيديولوجية التطرف والإرهاب، في أبريل (نيسان) 2017، وغيرها من المساهمات الأخرى؛ والرياض تبدو جادة في مشروعها التنويري الحديث، الإسلام المعتدل، والتسامح المجتمعي، والحوار مع الآخر، وفق منصات متكاملة وناضجة، قادرة على استيعاب المعطيات والمتغيرات.
لقد آمنت الرياض بأهمية ملازمة مكافحة التطرف مع محاربة الإرهاب، حيث لم تفلح الثانية بالعمل منفردة، ولم تنجح معظم الجهود العالمية للوقوف في وجه الإرهاب دون الإيمان بالتصدي للتطرف. لا إرهاب بلا فكر متطرف، هذه القاعدة الأساسية، التي ولّدت الإيمان بالعمل المتلازم، والجهود في كلا الطرفين.
تبدو الرياض متجهة باقتدار إلى قيادة المشروع العالمي التسامحي في المنطقة، الرامي للوقوف في وجه الخطاب المتطرف، والعامل على خلق المنهجية التي يمكن تطبيقها في أي مكان بالعالم. لا إرهاب بلا تطرف، ولا زوال للتطرف من دون مشروع جاد، يتفق عليه العالم، يردع كل المحاولات الإرهابية
الأمير محمد بن سلمان، عرّاب «رؤية السعودية 2030» ومهندس التغيير، كان واضحاً ومباشراً في حديثه للعالم، قبل الداخل السعودي، عندما قال خلال جلسة النقاش على هامش «مبادرة مستقبل الاستثمار» التي انطلقت فاعلياتها في الرياض، في أكتوبر (تشرين الأول) 2017: «سنعود إلى الإسلام الوسطي المعتدل والمنفتح على جميع الأديان... اتخذنا خطوات واضحة في الفترة الماضية بهذا الشأن، وسنقضي على بقايا التطرف في القريب العاجل، ولا أعتقد أن هذا يشكل تحدياً، فنحن نمثل القيم السمحة والمعتدلة والصحيحة، والحق معنا في كل ما نواجه، وسندمرهم اليوم فوراً».
ما يؤسس لجدية الرياض في مكافحة التطرف، هو قدرتها الكبيرة على الاعتراف بالأخطاء، ثم معالجتها وفق استراتيجيات المرحلة، ثم السير إلى المستقبل. يبدو حديثاً على الراسخين في السياسة استيعاب الآلية الحديثة للمملكة، القوة في تحديد مكامن الخلل دون حرج، والوقوف بصرامة في وجه العابثين والمتربصين والمبتزّين، والعمل في مناطق الحل والتصحيح.
اليوم، يؤكد ولي العهد السعودي، من خلال حديثه إلى عدد من القنوات والصحف الأميركية، الثبات الكبير في مسيرة محاربة التطرف والإرهاب، بل إنه يقفز من التلميح إلى التصريح، عبر الإشارة المباشرة إلى كل ما يمكن أن يدعم التطرف والإرهاب، ويهدد الدول وأمنها واستقرارها في المنطقة والعالم، متمثلاً في إشارته إلى «مثلث الشر»: إيران، وجماعة الإخوان، والجماعات الإرهابية (القاعدة وداعش).
كان لافتاً اختيار ولي العهد السعودي تحديده لهذا المثلث في العصب المركزي، الذي يشكّل لبّ وجوهر فكرتهم الشريرة عن العالم، والمركز الذي يشتركون فيه في بنيتهم الفكرية والأيديولوجية، وهي الخاصة بفكرة «الخلافة»، ومفهومهم التوسعي حول بناء إمبراطورية بالقوة، لأنهم «يسعون للترويج لفكرة أن واجبنا كمسلمين هو إعادة تأسيس مفهومهم الخاص للخلافة، ويدّعون أن واجب المسلمين هو بناء إمبراطورية بالقوة وفقاً لفهمهم وأطماعهم»، تماماً كما قال الأمير. وهذا هو لبّ وجوهر عموم أفكار الإسلام السياسي الحركي، الذي يشترك فيه كل عناصر المثلث.
من الضروي أن نذكر أن جوانب الترابط بين «مثلث الشر» في المشروعات والأطروحات، ولديهم تبادل كبير في الخدمات والأهداف والرؤى والخطط، ويتضح ذلك جلياً من تاريخية هذه العلاقة، وصلات قادة الثورة الإيرانية بأفكار حسن البنا وجماعته، من خلال مؤلفات ووثائق وأسانيد، وزيارات قيادات جماعة الإخوان لإيران أيضاً، وكذلك موقف إيران من نظام الإخوان في مصر في 2012 - 2013. وعلاقة إيران بالتنظيمات «الجهادية» المسلحة السُّنية والشيعية وسلوك هذه التنظيمات. كما أنه من المهم التذكير بعلاقة الإخوان بتنظيمات العنف والإرهاب، حيث كانت الجماعة بمثابة «مفرخة» لكل تلك الجماعات، والآن هناك تداخل عضوي وتنظيمي وأيديولوجي فيما بينها... وغير ذلك كثير.
أخيراً، تبدو الرياض متجهة باقتدار إلى قيادة المشروع العالمي التسامحي في المنطقة، الرامي للوقوف في وجه الخطاب المتطرف، والعامل على خلق المنهجية التي يمكن تطبيقها في أي مكان بالعالم. لا إرهاب بلا تطرف، ولا زوال للتطرف من دون مشروع جاد، يتفق عليه العالم، يردع كل المحاولات الإرهابية. «مثلث الشر» أنموذجاً.
* الأمين العام للمركز العالمي لمكافحة الفكر المتطرف (اعتدال)
نقلا عن "الشرق الأوسط"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة