«ترامب 2028».. هذه ليست مزحة

حين ظهرت قبعات حمراء، تحمل شعار "ترامب 2028"، خلال اجتماع الرئيس مع قادة الكونغرس، لم يكن المشهد مجرد لفتة رمزية أو دعابة انتخابية.
بل بدا المشهد وكأنه إعلان مبكر عن طموح سياسي يتجاوز حدود الدستور الأمريكي، ويعيد إلى الأذهان نموذج "القيادة المستمرة" الذي تتبعه أنظمة شمولية.
وترى مجلة "فورين بوليسي"، أن فكرة بقاء ترامب في السلطة بعد انتهاء ولايته الدستورية الثانية عام 2028، لم تعد تُطرح في إطار التندر، بل أصبحت موضوعًا جادًا للنقاش داخل أروقة واشنطن حول مستقبل السلطة، ودور المؤسسة العسكرية، وحدود الصلاحيات التنفيذية في النظام الأمريكي.
إعادة صياغة العلاقة بين الجيش والسياسة
وتمثل العلاقة بين القيادة السياسية والمؤسسة العسكرية منذ عقود، أحد أكثر الملفات حساسية في الدول الكبرى. فالولاء والانضباط داخل الجيش هما ركيزتان لأي نظام يسعى إلى الاستقرار والسيطرة.
وفي هذا السياق، يرى مراقبون أن ترامب يعمل على إعادة رسم هذه العلاقة بما يضمن توحيد الرؤية بين البيت الأبيض والبنتاغون تحت شعار "الأمن القومي أولًا".
وقد تجلّى هذا التوجه في اللقاء الذي جمعه الأسبوع الماضي بوزير الدفاع بيت هيغسيث وقادة الجيش في قاعدة كوانتيكو، حيث شدد الرئيس على ضرورة جاهزية الجيش "لمواجهة أي تهديد، داخليًا كان أم خارجيًا"، داعيًا إلى توسيع التدريب الميداني داخل المدن الأمريكية.
لكن هذا الطرح، بحسب خبراء قانونيين، يثير تساؤلات حول مشروعيته في ظل قانون "بوسيه كوماتوس" الذي يمنع استخدام الجيش في الشؤون الداخلية، ما يعيد إلى الواجهة النقاش القديم حول حدود السلطة التنفيذية ودور القوات المسلحة في الأزمات الوطنية.
رسائل سياسية تتجاوز 2028
شعار "ترامب 2028"، الذي بدأ كرمز انتخابي، تحول إلى أداة سياسية ترمز إلى استمرارية مشروع ترامب بعد ولايته الثانية.
ويرى محللون أن هذا الشعار يحمل دلالتين واضحتين: أولاهما توجيه رسالة إلى أنصار ترامب بأن "الثورة السياسية" التي بدأها عام 2016 لم تنتهِ بعد، والأخرى تأكيد أن الرئيس مستعد لتحدي أي قيود دستورية تحول دون بقائه في الحكم.
ويربط بعض المراقبين هذا التوجه بتصريحات سابقة لترامب أبدى فيها إعجابه بقدرة الرئيس الصيني شي جين بينغ على تعديل الدستور والبقاء في السلطة مدى الحياة، وهو ما أثار قلقاً داخل الحزب الجمهوري نفسه من إمكانية سعي ترامب إلى "تطويع القانون" لتوسيع سلطاته بعد 2028.
تغييرات عسكرية تعكس إعادة تموضع
التغييرات الواسعة داخل القيادة العسكرية الأمريكية أثارت بدورها تساؤلات حول أهدافها السياسية. فبينما تؤكد الإدارة أن الخطوة تهدف إلى "ضخ دماء جديدة" ومواءمة الجيش مع أولويات الأمن القومي، يرى منتقدون أن هذه التعديلات تعكس محاولة لإحكام السيطرة على البنتاغون وضمان الولاء في مواجهة أي أزمة محتملة.
ومن الناحية القانونية، لا يسمح الدستور الأمريكي لأي رئيس بتجاوز ولايتين رئاسيتين، وفقًا للتعديل الثاني والعشرين الصادر عام 1951.
لكن مستشاري ترامب يروجون لتفسيرات مثيرة للجدل تشير إلى إمكانية "إعادة الترشح بعد انقطاع زمني" أو "تعديل دستوري طارئ" إذا حظي الرئيس بتأييد واسع من الكونغرس.
وهي أطروحات يصفها الخبراء الدستوريون بأنها "غير واقعية وخطرة"، كونها تمسّ جوهر النظام الجمهوري الأمريكي.
ويبدو أن "ترامب 2028" ليس مجرد شعار انتخابي، بل أداة لقياس مدى استعداد الشارع الأمريكي لتقبّل فكرة "الزعيم المستمر".
فما بين من يرى في ترامب رمزًا للاستقرار والقوة، ومن يخشى من ميله إلى "النموذج الصيني" في الحكم، يبقى السؤال الأكبر: "هل يستطيع النظام الأمريكي، بما يحمله من ضوابط دستورية وتقاليد ديمقراطية، أن يواجه هذا التحدي الجديد دون أن يفقد توازنه التاريخي؟".
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMjE3IA== جزيرة ام اند امز