على الإدارة الأمريكية أن تدرك أنها في حاجة بالفعل للمنطقة، وحلفائها وأن التركيز على المنفعة الأمريكية فقط لا يفيد
مع استمرار حالة الارتباك والتردد داخل الإدارة الأمريكية للتعامل مع تطورات الموقف الإيراني في الخليج، وانتقال المخطط الإيراني لمرحلة جديدة نوعية في استهداف أمن الملاحة البحرية بأكمله، وليست فقط منشآت نفطية أو شركة أرامكو يثار تساؤل مستجد، وهو ما الذي تملكه الولايات المتحدة من خيارات بعد أن قررت إرسال قوات جديدة للخليج؟ وهل هذا الأمر متعلق بالحشد للخيار العسكري برغم ما قاله وزير الدفاع الأمريكي مارك إسبر إنها الخطوة الأولى وأن القوات دفاعية وليست هجومية وذلك لمواجهة السلوك العدواني لإيران؟ وهو الأمر الذي قد يتزايد في الفترة المقبلة في ظل مخطط واضح مرسوم جيدا داخل إيران، وفي ظل بقاء المرشد أقوى الشخصيات التي تدير الأمور، ولا قرار ولا توجه بدون اطلاعه.
إن النظام الدولي الذي تقوده الولايات الأمريكية وحدها عليها مسؤولية حقيقية في مواجهة أي خطر في أي منطقة من العالم وليس من إيران وفقا لقاعدة المصالح والاستراتيجيات الموضوعة وسيظل الارتكان لاستعادة إيران إقليميا عبثا سياسيا أمريكيا، وينم عن جهل مطبق بالمشروع الإيراني، وخطره إقليميا.
وبالتالي القضية ليست في ترتيب لقاء استهلالي بين حسن روحاني وترامب أو البدء بمفاوضات على بنود البرنامج النووي، ومنها إلى سائر الملفات الأخرى في ظل تصميم الإدارة الأمريكية على السياسات نفسها التي عملت بها منذ بدايات الأزمة، ولم تتراجع عنها باستثناء إعادة تنظيم التحالف البحري الدولي، وبالتالي فإن الخطوات الأمريكية غير كافية، ويحتاج إلى سياسات أخرى مكملة تتجاوز المخطط الأمريكي الذي يركز على تفعيل دور العقوبات بصورة شاملة، وعدم إعطاء الفرصة لإيران لمزيد من التحرك والمراوغة المقابلة.
ومن ثم فإن على الإدارة الأمريكية أن تدرك أنها في حاجة بالفعل للإقليم وحلفائها وأن التركيز على المنفعة الأمريكية فقط لا يفيد، وتكرار كلام الرئيس الأمريكي ترامب بشأن عدم حاجة الولايات المتحدة للنفط العربي مجرد هراء، والوجود الأمريكي في الإقليم يخدم السياسات الأمريكية، ويحقق مصالحها الاستراتيجية في مواجهة القوى الحليفة، وفي مواجهة القوى المناوئة الأخرى، ومنها روسيا والصين، ومن ثم فإن على الولايات المتحدة إدراك طبيعة العلاقات العربية الأمريكية التي يجب أن تقوم على مصالح مشتركة تعمل في الاتجاهين، وليس في اتجاه واحد.
إن الدول العربية لديها حساباتها وتقديراتها السياسية والاستراتيجية ولها مفهومها الخاص بأمنها الذي لن يلتقي أبدا في أي دائرة مع دوائر الأمن القومي لدول الجوار مثل إسرائيل أو إيران أو تركيا، وبالتالي فإن على الولايات المتحدة أن تدرك أن جزءا من تحركاتها في الإقليم عامة، وفي الخليج خاصة مرتبط بمصالحها التي باتت مهددة وعليها الحفاظ عليها، وبما يؤمن المصالح الأمريكية بأكملها، وليست فقط منشآت نفطية أو قواعد عسكرية أو تمركزات موجودة منذ سنوات طويلة في المنطقة، وهي بالأساس عرضة لهجوم إيراني محتمل، ومن ثم فإن عليها أن تؤمن سياسة الردع المقابل، ولا يكفي هنا الإشارة إلى حرب التصريحات التي يطلقها المسؤولون الأمريكيون بالقدرة على الرد والمواجهة في أي لحظة، فكثرة الحديث عن فرص الرد والردع المقابل يكسب الجانب الإيراني قدرة على المناورة والمراوغة، وإعادة تكرار خطاب سياسي وإعلامي معروف.
ولا شك أن هناك حالة الخلاف والتجاذب الكبير داخل الإدارة الأمريكية حول التعامل مع تطورات الحالة الإيرانية الأمر الذي يكشف فشلا مسبقا في التعامل مع القضايا كافة التي تثيرها إيران في المنطقة والتي تريد الإدارة الأمريكية تغييرها. وهو أمر تعايش معه الجميع في المنطقة وخارجها، وباتت المكانة الأمريكية في وضع حرج ومثارا لتساؤلات حقيقية حول استمرارية هذا المشهد العبثي، وإلى متى خاصة أن المنطقة بأكملها معرضة للخطر، واحتمال الدخول في مواجهات حقيقية قد تحدث بالمناسب عن "طريق الخطأ" بدون أن تسعى الإدارة الأمريكية إليها، وتتخوف إيران من تبعاتها على الداخل المثقل بالمشكلات والأزمات واحتمال تكرار حالة الحراك الشعبي لنظام آيل فعلا للسقوط، ومع ذلك يناور، ويتحرك انطلاقا من حسابات مدروسة وساعيا لبناء توافق داخلي في مواجهة ما يجري.
إن النظام الدولي الذي تقوده الولايات الأمريكية وحدها عليها مسؤولية حقيقية في مواجهة أي خطر في أي منطقة من العالم وليس من إيران وفقا لقاعدة المصالح والاستراتيجيات الموضوعة وسيظل الارتكان لاستعادة إيران إقليميا عبثا سياسيا أمريكيا، وينم عن جهل مطبق بالمشروع الإيراني، وخطره إقليميا وغدا ستدرك هذه الإدارة الأمريكية خطورة سياستها في الإقليم.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة