أميركا تغيرت، بما في ذلك المزاج العام للمواطن الأميركي الذي تظاهر يوماً ما للمطالبة بإعادة جنوده من العراق وأفغانستان،
كانت وسائل الإعلام الأميركية تبني حلم صعود هيلاري كلينتون لمنصب الرئيس في يد، وفي المقابل كانت اليد الأخرى التي تحذر من المد الإسلامي المتطرف تهدم كل طموحات كلينتون ومن خلفها الديموقراطيون. ماذا كانت تتوقع وسائل الإعلام وهي تغذي مشاعر الكراهية نحو المسلمين، من خلال تصويرهم على أنهم الإطار العريض الذي يحتوي داعش، أو ISIS الدولة «الإسلامية» في العراق والشام كما يحبون تسميتها عند الترويج لها؟
أتعجب في الحقيقة من رد فعلها المتفاجئ على نتيجة انتخاب الرجل الذكي، الذي استطاع وحملته التقاط إشارات الخوف والتوجس التي زرعتها بين الأميركيين، واللعب على وترها في الطريق نحو البيت الأبيض.
أميركا تغيرت، بما في ذلك المزاج العام للمواطن الأميركي الذي تظاهر يوماً ما للمطالبة بإعادة جنوده من العراق وأفغانستان، لكنه الآن على أتم الاستعداد أن يذهب بقضه وقضيضه إلى أي مكان في العالم لمقاتلة المتطرفين «المسلمين». يتحفز الأميركي اليوم للدفاع عن نفسه أكثر من أي وقت مضى، وما حالات الاعتداء التي تتكرر باتجاه المبتعثين السعوديين -على سبيل المثال- إلا واحدة من دلالات التحول الكبير، الذي لم تشهده الولايات المتحدة حتى في أعقاب اعتداءات ١١ أيلول (سبتمبر). في نيسان (أبريل) الماضي أوردت صحيفة «الحياة» خبراً عن الطلبة السعوديين الذين تعرضوا إلى تهديدات عنصرية في مدينة بوكاتيلو وحدها بولاية أيداهو (التي اختارت ترامب في السباق)، وقدرت عددها بحسب مواقع التواصل الاجتماعي بنحو 640 تهديداً، بخلاف حالات إطلاق النار على بعضهم والاعتداء على المنازل وسرقة السيارات! التحول اليميني الأميركي، ودهاء ترامب في استيعاب هذا التغيير وركوب موجته، كنت تحدثت عنها في مقالة سابقة بعنوان: «الله يجيب ترامب» أيار (مايو) الماضي، وهذا كان الأساس الذي بنيت عليه توقعي بأن دونالد ترامب هو من سيكون الرئيس الأميركي الـ45. لدى الأميركيين العديد من القضايا التي يفاضلون بين المنتخبين على أساسها، وانتخاب ترامب ليس إعلان حرب بالتأكيد، ولكن الذي يدرس حال المجتمع الأميركي قبل وبعد الدولة الإسلامية في العراق والشام -داعش- بكل تداعياتها، لا يمكنه تجاهل حجم تأثيرها الهائل في انطباعات الأميركيين تجاه مستقبلهم في ظل ما يشبه التقاعس عن أداء الأدوار المطلوبة لحماية أميركا، والذي وصمت به إدارة الرئيس الحالي باراك أوباما.
لدي قناعة تامة بأن السياسة الأميركية لا تعتمد على الحظ كثيراً، ولا على الصدف، وإنما على خطط استراتيجية لديها القدرة على صناعة الأحداث والتحكم بها أيضاً، في تناغم سلس يشبه سباق الجري بالتتابع، يركض فيه الفريق الأميركي ممثلاً في حزبيه الجمهوري والديموقراطي بأقصى طاقاتهما، ويسلم أحدهما للآخر «عصا» تكملة الطريق نحو هدف التربع على عرش سيادة العالم بكل اقتدار.
بالنسبة للشرق الأوسط، الذي فكر الأميركيون ذات يوم بأن الذي يناسبه أكثر هو بعثرة أوراقه، أو الانفجار في سبيل الاستقرار! فإن مستشارة الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الابن كوندليزا رايس في قراءتها للمشهد في منطقتنا عام 2005، التي قدمتها للكونغرس، كانت تعلن انطلاق مشروع «الدولة» الأميركية في تصورها الجديد له، ببركات الفوضى الخلاقة من دون شك، التي رسمت ملامحها الثورات العربية تحت رعاية ونظر الديموقراطية الأميركية بقيادة «الضعيف» - زوراً وبهتاناً - أوباما. حلقات المسلسل لم تبلغ المنتصف بعد، والرئيس الجديد صرح لصحيفة وول ستريت جورنال في لقائه معها الذي نشر الجمعة الماضي ببقاء الحال في الشرق الأوسط على ما هي عليه، عندما ذكر أن مجرد دعم الجماعات المسلحة المعتدلة السورية التي تقاتل نظام الأسد سيضع واشنطن في مواجهة مباشرة مع روسيا، وهو ما لن يفعله.
عملياً، ليس أمام ترامب كثير من الخيارات التي يمكنه التحرك من خلالها في ظل الوضع الرهن في منطقة الشرق الأوسط، لكنه يظل الخيار الأفضل في منظومة مواجهة إيران قياساً بمنافسته السابقة كلينتون، ولعل العودة إلى خطة عزل إيران من خلال قضية ملفها النووي خصوصاً بعد الأخبار الأخيرة عن تجاوزاتها فيه، يكون هو الخيار الوحيد الذي ربما يقدم عليه الأميركيون في الفترة المقبلة، لرأب صدع علاقاتهم مع الخليجيين خصوصاً السعوديين، وأيضاً لإثبات جدية «مصطنعة» في التعاطي مع أحداث المنطقة، عدا ذلك فشهاب الدين لا يختلف عن أخيه.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة