ثمة سؤال يفرض نفسه بقوة، لماذا يتمنى بعضنا فوز الديمقراطيين؟ وما الذي جناه العرب ومنطقة الشرق الأوسط منهم؟
قد يكون مفهوما انشغال الكثير منا بنتائج الانتخابات الأميركية، لا سيما النخب السياسية والثقافية، عطفا على المكانة الكبيرة التي تتمتع بها الولايات المتحدة على خارطة العالم، كدولة قائدة ورائدة، تمثل سياساتها عاملا حاسما في كثير من القضايا التي تهمنا، لا سيما في ظل الظرف الدقيق الذي تمر به منطقة الشرق الأوسط، من استمرار للأزمة في اليمن، وتزايد للخسائر الفادحة في سورية، وغموض في الرؤية فيما يتعلق بالعراق الذي تتناوشه ميليشيات إيران الطائفية، كل هذا مفهوم ومعلوم، إلا أن ما لم أجد تفسيرا له هو حالة الإحباط التي تملكت البعض بعد إعلان فوز دونالد ترمب على حساب المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون.
ربما كان البعض يريد وصول الأخيرة إلى البيت الأبيض، بسبب سياساتها التي يرونها "متوازنة"، والتي اتبعتها عندما كانت وزيرة للخارجية، وذلك على نسق المثل المصري الشهير "اللي تعرفه أحسن من اللي ما تعرفوش"، وكانوا في المقابل يتخوفون من فوز خصمها الذي توعد المسلمين بالحرمان من دخول الولايات المتحدة. إلا أن هؤلاء فات عليهم إدراك أن الولايات المتحدة، مثلها مثل بقية دول العالم، يتعهد فيها الناخبون بما لا يفعلونه بعد وصولهم إلى كراسي الحكم، وأكبر دليل على ذلك أن الرئيس الجديد خرج على الملأ بتصريحات تخالف معظم ما طرحه في حملته الانتخابية. على سبيل المثال الموقف من القضية الفلسطينية، فالرجل الذي أعلن أن أول قرار سيتخذه هو الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، عدَّل تصريحاته في الأيام الماضية، مؤكدا حرصه على التوصل إلى "حل دائم وعادل" للقضية، وأكد تمسكه بالثوابت التي سار عليها أسلافه من الرؤساء السابقين. أميركا في نهاية الأمر دولة مؤسسات، لا تتأثر بدرجة كبيرة بمزاج الرؤساء أو توجهاتهم، يحكمها دستور واضح، يفصل بين تعارض السلطات، وكونجرس يمسك كافة الخيوط بأيدي نوابه. ويحيط برئيسها عشرات المستشارين، حتى ترامب نفسه وقبل أن يجلس على كرسي البيت الأبيض، أثار انتباه الحضور بإلقائه "خطاب النصر" عقب ساعات قلائل من إعلان فوزه من ورقة مكتوبة، وليس ارتجالا كما اعتاد خلال حملته الانتخابية، بألفاظ منتقاة بعناية، ونبرة هادئة رصينة. وبعد لقائه الرئيس باراك أوباما تحولت لهجته حتى تجاه منافسته اللدود، كلينتون، إلى ألفاظ ودودة، ليس هذا فحسب، بل أشاد بها وبحملتها الانتخابية وتمنى لها التوفيق.
ثمة سؤال يفرض نفسه بقوة، لماذا يتمنى بعضنا فوز الديمقراطيين؟ وما الذي جناه العرب ومنطقة الشرق الأوسط منهم؟ أليس هذا هو الحزب الذي ينتمي له الرئيس الحالي باراك أوباما، الذي اتخذ كثيرا من المواقف التي تصنَّف في خانة الانحياز إلى إيران؟ أليس هو الذي أحجم عن مد يد العون للشعب السوري وتسبب في استمرار نزيف النساء والأطفال الذين تستهدفهم صواريخ الأسد وهم يلهون داخل رياضهم؟ أليس هو الذي سلَّم العراق لقمة سائغة لساسة طهران، يعيثون فيه فسادا ويؤججون الفتن الطائفية؟
والسؤال الآخر الذي يطرح نفسه بقوة أكبر هو: لماذا يخشى بعضنا وصول ترامب أو غيره لكرسي الحكم؟ فعلاقتنا مع الولايات المتحدة تحكمها مصالح مشتركة، وقوية، بغض النظر عن اختلاف الرؤساء، والمهم أن المملكة التي أعزها الله وحماها، أثبتت أنها قادرة على حماية نفسها بسواعد أبنائها، وهي تتبنى سياسة المبادرة لنهضة الخليج والوطن العربي وحماية المنطقة من كل عدو، وأولهم إيران، ونحن قادرون على قطع أي يد يفكر أصحابها -مجرد تفكير- في أن تمتد إلينا بسوء.
نعم نحن أقوياء، ليس عسكريا فحسب، بل على الصعيد الاقتصادي أيضا، فالمملكة تمثل مصدرا لاستقرار الاقتصاد العالمي، ومرتكزا لثباته، ولدينا من الأموال والمنشآت الصناعية والبنية التحتية، والقدرة الشرائية، والأسواق المفتوحة، والعوامل الاقتصادية الأخرى، ما جعل المستثمرين من كافة دول العالم يتهافتون على العمل في بلادنا، ويبحثون عن مداخل تتيح لهم الاستفادة من المقومات التي نملكها، ونحن أقوياء بسواعد أبنائنا وشبابنا، حيث تظهر الإحصاءات الرسمية أن غالبية سكان المملكة هم شباب دون الثلاثين، ونحن أقوياء بمكانتنا المرموقة وسط دول العالم، والتي بنيناها خلال السنوات الماضية بسياستنا المعتدلة التي ترفض التدخل في شؤون الآخرين، ومد يد العون للإخوة في دول الجوار وغيرهم عند الكوارث والابتلاءات، وقبل كل ذلك نحن أقوياء بإيماننا بالله تعالى، وخدمتنا لمقدساتنا الإسلامية.
المملكة ظلت حليفا إستراتيجيا للولايات المتحدة على مدى القرون الماضية، وإن كان هناك طرف مستفيد من هذا التحالف فهو الولايات المتحدة التي تضمن من خلالنا مد الأسواق العالمية بما تحتاجه من نفط، حتى مكافحة الإرهاب التي توليها واشنطن عنايتها الفائقة، كنا فيها روادا على من سوانا، ودفعنا الإرهابيين والمتطرفين إلى الاختباء في جحور بعيدة وزوايا مظلمة، وترافقت جهودنا الأمنية مع أخرى فكرية، دحضت مزاعم التطرف وفندتها، حماية لأبنائنا، وباتت التجربة السعودية مثالا لجهود الآخرين في تخليص العالم من شرور الإرهاب.
*نقلا عن الوطن السعودية
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة