حتى إذا تجاوز ترامب الحد المسموح به، ستردعه كثير من الجهات في نظام الحكم الأميركي.
عندما سيؤدي دونالد ترامب القسم الرئاسي في يناير (كانون الثاني) المقبل، سوف يتمتع بسلطات استثنائية استخدمها آخر رئيسين في شن حرب عالمية على الإرهاب. بالنسبة إلى منتقدي الرئيس المقبل، تعد هذه وصفة لكارثة على سيادة القانون؛ ففي النهاية، اقترح ترامب منع جميع المسلمين من دخول البلاد بعدما شهدته سان فرنسيسكو بولاية كاليفورنيا من أحداث عنف خلال العام الماضي. وتعهد بحماسة فجة أن يسحق تنظيم داعش. وقال ترامب في بعض الأحيان إنه سوف يعيد استخدام التعذيب في التحقيق مع المعتقلين، وإنه سينشئ قاعدة بيانات قومية خاصة بكل الأميركيين المسلمين. ودفعت مثل تلك الوعود اتحاد الحريات المدنية خلال شهر يوليو (تموز) إلى الاعتقاد أن ترامب يمثل «أزمة الرجل الأوحد الدستورية»، وذكر ذلك في ورقة.
كيف يمكن منح من يريد استخدام طريقة الإغراق الوهمي مرة أخرى، وفرض حظر على المسلمين، سلطة واسعة النطاق لشن حرب بلا نهاية؟ قد تكون الإجابة هي أن ترامب غير مهتم بشن تلك الحرب بالأساس؛ فعلى الرغم من تهديده، فإنه أشار إلى بغضه للاشتباكات الخارجية. وكان يعني شعار حملة ترامب «أميركا أولاً»، الذي أخبر صحيفة «نيويورك تايمز» به في يوليو الماضي، أننا «سوف نرعى هذا البلد أولا قبل أن نقلق بشأن أي طرف آخر في العالم».
كذلك كانت لدى ترامب تساؤلات بشأن مشاركة أميركا في تحالفاتها التقليدية، ودعا الحلفاء إلى دفع حصة عادلة. كذلك هناك السياسة الغريبة في الانتخابات ذاتها. كان رموز دولة الأمن القومي، من أمثال مايكل موريل، نائب رئيس الاستخبارات المركزية الأميركية سابقًا، ومايكل هايدن، المدير السابق لوكالة الأمن القومي، من أشد منتقدي ترامب. وكان الاستثناء الوحيد هو مايكل فلين، المدير السابق لوكالة الاستخبارات الدفاعية، الذي كان صوتًا منتقدًا في تلك الدائرة.
هناك حقيقة أن لترامب كثيرًا من التصريحات الغاضبة التي لا يعتقد بعض أعضاء حزبه على الأقل أنه يعنيها حقًا. وقال لي النائب ديفين نونيز، رئيس لجنة الاستخبارات الدائمة بمجلس النواب يوم الأربعاء الماضي إنه «من السخف أن نعتقد أن ترامب سوف يعيد استخدام التعذيب». وأضاف أن مثل تلك الحالات من الجيشان العاطفي قد تعزى إلى ممارسته للسياسة للمرة الأولى.
حتى إذا تجاوز ترامب الحد المسموح به، ستردعه كثير من الجهات في نظام الحكم الأميركي. وأخبرني جاك غولدسميث، المحامي بوزارة العدل، الذي كتب أثناء الفترة الأولى من رئاسة جورج بوش الابن، الآراء القانونية التي أبطلت المبرر القانوني لاستخدام وسائل تعذيب أثناء التحقيق، أن المؤسسة البيروقراطية لن تمنحه فرصة العودة إلى استخدام الإغراق الوهمي. وقال غولدسميث: «عندما يصل الأمر إلى التهديد باتخاذ إجراءات مثل العودة لاستخدام الإغراق الوهمي، الذي يعد وسيلة غير قانونية، تعارضها المؤسسة البيروقراطية، فلن تسمح الحكومة له بتنفيذ هذا القرار».
مع ذلك كان له تحذير، حيث قال: «بالنسبة إلى الأمور الأخرى، سيكون للرئيس سلطة تقديرية للتصرف بشكل أحادي الجانب بطرق قانونية، لكنها لا تتسم بالحكمة. بالنسبة إلى كثير من تلك الأمور، مثل اتخاذ قرار بزيادة أو خفض دعم برنامج الطائرات، التي تعمل من دون طيار، أو بشأن أي من الادعاءات العامة سيتم إقامتها، فسيكون لديه سلطة كبيرة».
وقال غولدسميث إنه كان من الخطأ النظر إلى الرقابة على سلطة أي رئيس بطريقة ثابتة. وقال: «لقد تصدت المؤسسة البيروقراطية، والصحافة، والمحاكم، والكونغرس، لبوش حتى يتم منع استخدام هذه الوسائل في التحقيقات. في هذا الشأن، لم يكن بوش يحظى بالثقة، ولم يعجب الشعب الأميركي بما شاهده».
على الجانب الآخر، لم يواجه أوباما مثل هذه المواقف الرافضة من تلك المؤسسات فيما يتعلق بتوسيع نطاق حرب الطائرات من دون طيار. وقال غولدسميث: «سيحظى ترامب بثقة وتوافق أقل مما حظي بهما أوباما، في كثير من إجراءاته التنفيذية العدائية».
يحاول ترامب حاليًا التواصل مع معارضيه داخل حزبه. وقال في خطاب بعد فوزه بالانتخابات يوم الأربعاء الماضي: «بالنسبة إلى من اختاروا عدم دعمي في الماضي، وهم قليلون، سأتواصل معكم لأحظى بمشورتكم ومساعدتكم حتى نستطيع التعاون معًا، وتوحيد بلدنا العظيم».
وأخبرتني كوري شيك، التي عملت في مجلس الأمن القومي خلال فترة حكم إدارة جورج بوش الابن، ووقعت على خطاب «لا لترامب أبدًا» مع خبراء جمهوريين آخرين في السياسة الخارجية، أن كثيرًا من أيادي الجمهوريين الخبراء في السياسة الخارجية ممدودة لمساعدته. وأضافت قائلة: «أعتقد أن هناك كثيرًا من المحافظين ذوي المبادئ ممن رفضوا مساعدة ترامب في الفوز بالانتخابات، يشعرون بنوع من الالتزام، بعد انتخاب الشعب الأميركي له، بتحويل السياسات الخاصة به إلى سياسات حكومية لا تضر بالجمهورية».
ومنذ وقت ليس بالبعيد، قال الديمقراطيون الليبراليون، إن الإدارة التي عملت بها شيك، قد ألحقت ضررًا بالغًا بالجمهورية؛ أما اليوم، فأتصور أنهم يتمنون أن ينقذ أشخاص مثل شيك الجمهورية من أيدي ترامب.
* نقلا عن الشرق الأوسط
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة