غلاء الدُمى واختبار الرخاء.. ترامب بين طموح السياسة وضغوط الاقتصاد

من "العصر الذهبي" للتحذير من غلاء الدُمى.. يجد ترامب نفسه أمام انكماش اقتصادي يضعه تحت مجهر سياسي داخلي ودولي في بداية ولايته الثانية
"دمى أقل.. وبثمن أغلى"
خلال حديثه عن آثار نزاعه مع الصين، وصف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بكين بأنها "أكبر سارقة لمصانعنا ووظائفنا"، مشيرا إلى أن سفن الشحن المحملة بالبضائع عادت أدراجها بفعل سياساته، معتبرا ذلك "إنجازا". بحسب ما أوردته شبكة "سي إن إن".
وأضاف: "ربما يكون لدى الأطفال دميتان فقط بدلا من 30، وقد تدفع الأسرة بضعة دولارات إضافية مقابلها... هذا جيد".
رغم أن التصريح بدا ساخرا، إلا أنه- بحسب سي إن إن- يحمل في طياته "دلالات خطيرة".
فالفكرة القائلة بأن الولايات المتحدة اعتمدت بشكل مفرط على البضائع الرخيصة من الصين لها وجاهة اقتصادية، لكن أن يقول ملياردير من نخب مارالاغو للطبقة المتوسطة إن عليهم تقبّل دمى أقل لأطفالهم، فهو "أمر سياسي فادح". وفق المصدر نفسه،
ذلك أن هذه السلع الرخيصة – من الملابس إلى الأجهزة الإلكترونية – حسّنت من مستوى المعيشة لغالبية الأسر الأمريكية. وإذا ما اختفت فجأة، فإن الأثر سيكون "موجعا".
نبرة التشاؤم
تحولٌ للرئيس الأمريكي، جسّد الضجة المحيطة بوعده "جعل أمريكا ثرية مجددا" والمعاناة التي قد يتطلبها تحقيق ذلك، بحسب تقرير طالعته "العين الإخبارية" في "سي إن إن".
وتشير الشبكة الأمريكية في تقريرها إلى أن نبرة التشاؤم التي أبداها ترامب في اجتماع مجلس الوزراء، كانت "اعترافا نادرا بأن حربه التجارية مع الصين ستؤدي إلى انخفاض السلع بأسعار أعلى".
جاء ذلك في الوقت الذي سعى فيه الرئيس يوم الأربعاء جاهدا لتبديد المشاعر السلبية عقب صدور بيانات رسمية أظهرت انكماش الاقتصاد بنسبة 0.3% في الربع الأول، وهو أول تراجع كبير في تأثير ترامب على النمو الأمريكي.
ووفق "سي إن إن"، لا يعني تقرير وزارة التجارة أن البلاد تتجه نحو أزمة وشيكة. فبعض الأرقام الأساسية كانت أكثر تفاؤلا من انخفاض الناتج المحلي الإجمالي. وغالبًا ما تُعدّل هذه التقارير بالزيادة مع معالجة المزيد من البيانات.
ورغم أن الاقتصاد الأمريكي يتمتع بمرونة استثنائية، فمن الطبيعي أن يشهد دورات من النمو والتراجع في دولة رأسمالية. وفق المصدر.
لكن في المقابل، يُعد التقرير أكثر أهمية لتأثيره السياسي والرمزي. فترامب لا يستطيع تحمّل أن تصبح مؤشراته الحمراء الساطعة أمرا مسلما به.
كما أن هذا التراجع الاقتصادي يهدد ركيزة رئيسية في صورة ترامب السياسية: أنه "رجل أعمال ناجح يعرف كيف يدير الاقتصاد". وإذا بدأ هذا الاعتقاد بالتآكل، فإن شعبيته قد تتهاوى.
ففي البداية، غمرت البيانات حملة إطراء من البيت الأبيض، تصور أول 100 يوم لترامب على أنها أعظم اندفاعة رئاسية على الإطلاق.
ورغم محاولاته الحثيثة للتقليل من وقع الأرقام، فإن القلق يتصاعد، خاصة أن مؤشرات استهلاك الأسر بدأت تتراجع، مما قد يتحول إلى نبوءة تتحقق ذاتيا – إذ يسبق الذعر أحيانا الأزمات الاقتصادية.
عندما يتهم ترامب بايدن
في رد فعله، لجأ ترامب إلى أسلوبه المألوف، وهو رمى الكرة في ملعب سلفه جو بايدن.
وكتب في منشور عبر "تروث سوشيال": "هذا سوق بايدن وليس سوق ترامب" مضيفا أن الأرقام "لا علاقة لها بالرسوم الجمركية".
وأضاف "هذا بايدن، ويمكنكم حتى القول إن الربع القادم سيكون بايدن نوعا ما لأنه لا يحدث يوميا أو كل ساعة".
وفي هذا الصدد، لفتت "سي إن إن" إلى أن إلقاء اللوم على الإدارة السابقة بات تقليدا سياسيا، لكن ترامب نفسه كان قد تملّك زمام الملف الاقتصادي حين أعلن عن سياساته التجارية من حديقة البيت الأبيض في ما عُرف لاحقا بـ"يوم التحرير"، حين رفع لافتات تقارن الرسوم الجمركية بين الدول.
ومنذ ذلك الحين، حملت الأسواق الأمريكية آثار قراراته، حيث تأثرت حسابات التقاعد، وتراجعت ثقة المستهلكين، وارتفعت الأسعار، مما أثار قلقا خاصا لدى المتقاعدين ومن هم على أعتاب التقاعد.
بيْد أن المفارقة أن أحد الأسباب التي دفعت الناخبين لاختيار ترامب عام 2024 هو وعوده بخفض تكاليف المعيشة، لا سيما أسعار المواد الغذائية، لكنه حتى الآن لم يحقق اختراقا ملموسا في هذا الصدد.
"أسوأ أداء في 100 يوم؟"
وزير الخزانة الأسبق، لاري سامرز، وصف أداء ترامب الاقتصادي في أول 100 يوم بأنه "الأسوأ في تاريخ الرئاسات الأمريكية خلال قرن".
وقال لسي إن إن : "ربما كانت هذه أقل 100 يوم أولى من رئاسة ناجحة على الصعيد الاقتصادي في التاريخ، خلال القرن الماضي". وأضاف: "لقد شهدنا انخفاض سوق الأسهم بأكبر قدر من الانخفاض. وشهدنا انخفاض قيمة الدولار أكثر من أي وقت مضى. وشهدنا ارتفاع توقعات البطالة. وتوقعات التضخم. وتوقعات احتمالات الركود. وانهيار ثقة المستهلك. وتراجع الشركات عن جميع توقعات أرباحها السابقة".
ومع ذلك، قلّل البيت الأبيض من أهمية هذه التحذيرات، حيث قال المستشار التجاري بيتر نافارو إن "هذا أفضل تراجع سلبي في الناتج المحلي رأيته في حياتي"، محاولا ترويج نظرة متفائلة.
لكن مع ذلك، فإن القلق من المستقبل يهيمن على المشهد. فارتفاع حجم الواردات – الذي فُسّر على أنه دليل قوة – يعود في الواقع إلى تخزين الشركات للبضائع خشية تفاقم الحرب التجارية، ما يشير إلى أزمات مرتقبة لا انتعاش آني.
aXA6IDMuMTQ5LjI0OS4xODQg جزيرة ام اند امز