شراكة متعددة المسارات.. زيارة ترامب للسعودية بعيون خبراء

جولة خليجية بدأها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الثلاثاء، بالسعودية، التي تُعد محطة سياسية تكتسب أهمية استثنائية.
ووصل الرئيس ترامب إلى الرياض صباح اليوم الثلاثاء، في أولى محطات جولته الخليجية، التي تعد الأولى له خارجيا منذ عودته للبيت الأبيض في يناير/كانون الثاني الماضي.
وتحمل الزيارة، التي تشمل كذلك الإمارات وقطر، في طياتها رسائل متعددة الأبعاد، من المنتظر أن تُترجم إلى اتفاقيات اقتصادية وعسكرية ذات تأثيرات مباشرة على مستقبل المنطقة.
- الخليج يستقبل ترامب.. زيارة «تاريخية» تقود التحول الاقتصادي العالمي
- جولة ترامب في الشرق الأوسط.. الاقتصاد أولاً
هذا ما أكده خبيران بارزان، أمريكي وسعودي، في تصريحات خاصة لـ«العين الإخبارية»، كشفا فيه عن الأبعاد الاستراتيجية للزيارة وتأثيراتها المرتقبة، انطلاقًا من طبيعة الملفات المطروحة على طاولة الحوار السعودي-الأمريكي، وفي ضوء ما تشهده المنطقة من تطورات متسارعة.
زيارة بأبعاد سياسية واقتصادية
وفي تصريح خاص لـ«العين الإخبارية»، يرى الدكتور إسحاق أندكيان، الأكاديمي الأمريكي والخبير في إدارة النزاعات الدولية، أن زيارة الرئيس ترامب إلى السعودية تحمل أهمية ذات أبعاد متعددة على مستوى الشكل والمضمون، لافتًا إلى أن "اختيار المملكة كأول محطة خارجية للرئيس بعد عودته إلى البيت الأبيض، يحمل دلالات استراتيجية".
ويقول أندكيان إن هذه الزيارة تُعد الأولى للرئيس الأمريكي بعد فوزه بولاية ثانية، باستثناء زيارة قصيرة أجراها إلى روما لحضور جنازة البابا فرنسيس.
ويُشير إلى أن المملكة كانت أيضًا أول دولة زارها ترامب خلال ولايته الأولى، مخالفًا بذلك التقاليد السياسية لرؤساء أمريكا الذين اعتادوا بدء جولاتهم الخارجية من لندن أو أوتاوا أو مكسيكو سيتي، ما يُبرز الوزن المتزايد للرياض في حسابات واشنطن.
ويُضيف: «هذه الزيارة تعكس بوضوح تقدير الرئيس ترامب لدور السعودية سياسيًا وأمنيًا ودبلوماسيًا، خاصة في ظل التوتر الإقليمي المتصاعد، إلى جانب احتضان الرياض لمحادثات أمريكية-روسية بشأن الحرب في أوكرانيا".
وفيما يخص المضمون، يُشير أندكيان إلى أن زيارة ترامب تهدف إلى تأمين استثمارات سعودية ضخمة داخل الاقتصاد الأمريكي، انطلاقًا من استراتيجية «أمريكا أولاً» التي يتبناها، والتي تُركّز على خلق فرص عمل وتعزيز التصنيع المحلي.
وتوقع أن يتم توقيع عدد من الاتفاقيات الاقتصادية خلال الزيارة، خاصة مع وجود استثمارات سعودية قائمة في الولايات المتحدة عبر صندوق الاستثمارات العامة.
وفي المقابل، يرى الخبير الأمريكي أن المملكة ستستفيد من الخبرات الأمريكية ضمن مساعيها لتحقيق رؤية 2030، من خلال تنويع مصادر الدخل بعيدًا عن النفط.
ويُضيف أن: «الزيارة ستجذب نخبة قادة وول ستريت ووادي السيليكون إلى الرياض، للمشاركة في المنتدى الاستثماري السعودي-الأمريكي اليوم الثلاثاء، بمشاركة رؤساء تنفيذيين من شركات كبرى مثل بلاك روك، وبالانتير، وآي بي إم، وكوالكوم، وألفابت، وفرانكلين تمبلتون».
ويُبرز أندكيان أهمية الذكاء الاصطناعي في جدول أعمال الزيارة، مؤكدًا أن المحادثات ستركز على جذب استثمارات خليجية أكبر إلى شركات التكنولوجيا الأمريكية، مع تعزيز وصول السعودية والإمارات إلى أشباه الموصلات الأمريكية المتقدمة، في ضوء استثمار البلدين مليارات الدولارات في هذا القطاع.
ويلفت الخبير الأمريكي إلى قرار إدارة ترامب الأخير بإلغاء قيود إدارة بايدن على تصدير الرقائق الأمريكية المتقدمة إلى أكثر من 120 دولة، ما يفتح المجال لتعزيز الشراكة التكنولوجية مع الخليج.
وفي الشق الدفاعي، يرى أندكيان أن الزيارة قد تُتوج بالإعلان عن صفقات أسلحة متقدمة تشمل صواريخ، وأنظمة رادار، وطائرات نقل، بعدما كانت قد توقفت مؤقتًا خلال إدارة بايدن.
كما لم يستبعد الخبير الأمريكي أن تبحث الزيارة «استكمال الاتفاق الإبراهيمي الذي أطلقته إدارة ترامب خلال ولايته الأولى».
ويشير إلى أن «تطبيع العلاقات بين إسرائيل ودول عربية قد يُعاد طرحه، لكن بشروط سعودية واضحة ترتبط بإيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية يستند إلى قرارات الأمم المتحدة ومبادرة السلام العربية».
ويُضيف: «ربما يفاجئنا الرئيس ترامب بطرح رؤيته الجديدة للسلام من الرياض».
تأكيد الثقل السعودي.. وإعادة لتموضع أمريكا بالمنطقة
من جهته، يرى الكاتب والمحلل السياسي السعودي مبارك آل عاتي، في حديث خاص لـ«العين الإخبارية»، أن «اختيار ترامب للسعودية كوجهة أولى يؤكد المكانة الرفيعة للرياض في الحسابات السياسية والاقتصادية لواشنطن، إلى جانب أهمية الشرق الأوسط والخليج العربي في الأمن الاستراتيجي الأمريكي».
ويقول آل عاتي إن «ترامب حريص على إعادة تموضع أمريكا في الشرق الأوسط، نظرًا لأهمية المنطقة من حيث المصالح الاقتصادية وأمن الطاقة».
واعتبر أن الزيارة والقمة الخليجية-الأمريكية المرتقبة ستكونان مفصليتين في تاريخ العلاقات الثنائية، وستسهمان في رسم ملامح مستقبل المنطقة سياسيًا واقتصاديًا.
ويُضيف أن المتغيرات الإقليمية التي شهدتها المنطقة منذ ولاية ترامب الأولى تُضفي أهمية إضافية على الزيارة، مشيرًا إلى عودة العلاقات بين السعودية وإيران، وانخراط واشنطن في محادثات مع طهران بشأن برنامجها النووي، إضافة إلى عودة سوريا إلى محيطها العربي، ولبنان إلى الحضن العربي بعد تراجع نفوذ حزب الله، وانكسار الحوثيين نتيجة ضربات أمريكية.
ومع ذلك، يُحذر آل عاتي من وجود تباين محتمل بين الرياض وواشنطن بشأن الحرب الإسرائيلية على غزة، والتي تُشكّل ملفًا حساسًا قد يُطرَح بحدة خلال المباحثات.
ويُشير المحلل السياسي السعودي إلى أن الزيارة ستُتيح بحث حلول للأزمات الإقليمية، بما فيها الحرب الروسية-الأوكرانية، مؤكدًا أن الرياض لعبت دورًا مهمًا في تقريب وجهات النظر بين موسكو وواشنطن، ما يجعل الزيارة فرصة لتحقيق انفراجة سياسية في هذا الملف.
وفي الجانب الاقتصادي، يتوقع آل عاتي توقيع عشرات الاتفاقيات ومذكرات التفاهم بين البلدين، بمبالغ ضخمة تعزز الاستثمارات المتبادلة، إلى جانب مناقشة استقرار أسعار الطاقة، حيث تُعد السعودية قائدًا في هذا القطاع، بينما تُعد أمريكا أكبر مستهلك للطاقة عالميًا.
وفيما يخص البرنامج النووي السلمي السعودي، يقول آل عاتي إنه سيكون على جدول البحث خلال الزيارة، خاصة بعد تصريح وزير الطاقة الأمريكي بأن بلاده تدعم هذا البرنامج عقب محادثات ثنائية مع نظيره السعودي في أبريل/نيسان الماضي.
ويُضيف أن: «نجحت الدبلوماسية السعودية في تحييد ملفها النووي السلمي بعيدًا عن شروط التطبيع مع إسرائيل، بعدما كانت إدارة بايدن تربط الدعم الأمريكي لهذا البرنامج بإقامة علاقات سعودية-إسرائيلية، وهو ما يُعد إنجازًا سياسيًا يُحسب للرياض».
ويختم آل عاتي تصريحه بالتأكيد على أن الزيارة تمثل لحظة فارقة في العلاقات السعودية-الأمريكية، قائلاً: «هذه الزيارة التاريخية التي تتابعها العواصم العالمية، تُؤكد عودة قوة النفوذ الأمريكي، وتُبرز حجم المصالح المشتركة بين الرياض وواشنطن».
جولة بثقل اقتصادي واستراتيجي
وبدأ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الثلاثاء، جولة خليجية تشمل السعودية ودولة الإمارات وقطر، تهدف إلى تعزيز العلاقات الاقتصادية، وجذب استثمارات جديدة، وتوسيع مجالات التبادل التجاري بين الولايات المتحدة ودول الخليج.
ومن المتوقع أن تشمل الجولة توقيع اتفاقيات في مجالات الاستثمار، والطاقة، والدفاع، والتكنولوجيا، والطاقة النووية، والذكاء الاصطناعي، ما يعكس تنامي الشراكة الخليجية-الأمريكية على أكثر من صعيد.
aXA6IDUyLjE0LjgwLjM5IA== جزيرة ام اند امز