ترامب وإيران.. تصحيح مسار يقلّم مخالب طهران
تغيير السياسة الأمريكية بشأن إيران لا يستبطن تلك الرسالة المباشرة الموجهة لإيران فقط، وإنما تتوجّه سهامها في الخفاء لجميع شركاء طهران.
الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي مع إيران يتجاوز كونه خروجا فنيا من اتفاق جماعي، وإنما يشكل تصحيحا لمسار سياسة واشنطن الدولية تجاه طهران.
محللون يرون أن حقبة سياسية خاطئة قادتها الإدارة الأمريكية السابقة في عهد باراك أوباما، وكلفت المنطقة والعالم الكثير من الفوضى الناجمة عن استراتيجية إيرانية تخريبية استفادت بشكل كامل من الاتفاق النووي الموقع صيف 2015.
مسار خاطئ ترجمته ألسنة اللهب المشتعلة في أكثر من جبهة بالشرق الأوسط، وكان لابد من تصحيحه لإيقاف طهران عند حدها، وإنهاء حالة التجاهل والتردد والتغاضي تجاه نظام توسّعي احتلالي يتلاعب بمعادلات عرقية ودينية وجغرافية حساسة، مصحوبة بالكثير من العنجهية والتحدي والتمرد.
تصحيح مسار
ومن هنا، فإن تغيير السياسة الأمريكية بشأن إيران لا يستبطن تلك الرسالة المباشرة الموجهة لإيران فقط، وإنما تتوجّه سهامها في الخفاء لجميع حلفاء وشركاء طهران، ومن يقف إلى جانبها في الدرجة الثانية .
تبدّل يقول مراقبون إنه سليل عملية مراجعة جذرية وشاملة لسياسة واشنطن بهذا الشأن، ومحصّلة مشهد ينوء تحت أنقاض الفوضى والخراب في كل شبر من منطقة الشرق الأوسط، حيث تقود طهران حروبا بالوكالة.
حيثيات كان لابد وأن تقود بديهيا نحو التساؤل عن مصدر هذه الفوضى، والاستماع لما تقوله بلدان المنطقة حول مخاطر التمويل الإيراني للعديد من التنظيمات الإرهابية التي تتلقى أوامرها مباشرة من طهران، وتتحرك لتنفيذ مخططات التمدد وبسط النفوذ.
جبهات توتّر تتحمل إدارة أوباما المسؤولية الأكبر فيها، وتلعب إدارة الرئيس الحالي دونالد ترامب الدور الأول في تصحيح المسار والخيارات، وإعادة حيثيات المشهد بالشرق الأوسط إلى نسقها الطبيعي، عبر نهاء السياسة العدائية والتحريضية والاستفزازية لإيران.
بيت من زجاج
حاولت طهران الاستفادة قدر المستطاع من الاتفاق النووي الذي وقعته مع مجموعة 5 +1، حتى أنها لم تعمل فقط، في الأعوام الثلاثة الأخيرة، باتجاه فك الحصار والعزلة الإقليمية والدولية التي عانت منها لسنوات، بل سعت لإقناع عدد من البلدان العربية والغربية بأنها جاهزة للعب دور شرطي المرور بالمنطقة.
أرادت طهران تنظيم التوازنات الأمنية والسياسية، مستفيدة من الفراغ الاستراتيجي، مرة، ومن تقديم الخدمات المتبادلة التي نجحت في استغلال ورقتها مع بعض العواصم الغربية، مرة أخرى.
غير أن المصيدة التي وقعت فيها ولم تحسب ارتداداتها القاتلة عليها، كانت استمرارها في خططها النووية وإخلالها بتعهداتها والتزاماتها حيال الدول الموقعة على الاتفاق.
كما انغمست طهران في دعم التنظيمات والمجموعات العرقية والمذهبية الموالية لها في كل من لبنان وسوريا والعراق واليمن، واستخدمتها أذرعا تحركها كلما عنّ لها تفجير البنى التحتية الاجتماعية والسياسية والثقافية لهذه البلدان والتلاعب بأمن المنطقة.
مشكلة طهران اليوم أنها شيّدت بيتا زجاجيا بالغ الحساسية تجاه أي هزات، ووضعته على صفيح ملتهب، فإذا بها تواجه الحمم المتصاعدة من كل جانب، والحجارة المرتدة عليها من جبهات التوتر التي صنعتها، قبل أن تجد نفسها في مواجهة سياسية أمريكية جديدة دكت آخر قلاع الصمود في بيتها.
أوراق الضغط انتهت صلاحيتها
ما الذي يعنيه إرسال طهران قاسم سليماني، قائد ما يسمى بفيلق القدس في جيشها، إلى بغداد ليلتقي القيادات السياسية والحزبية هناك بعد ساعات على صدور النتائج المخيبة لآمالها؟.
الواضح أن طهران أصيبت بالرعب وسكنت بهاجس ومخاوف حدوث تفاهمات حكومية يقودها مقتدى الصدر الفائز الأول في الانتخابات، فتخرجها من المشهد وتكف يدها عن الشعب العراقي.
وردا على ترامب، لجأت طهران إلى تكتيك التهديد الذي تجيده، حيث هددت على لسان قائد حرسها الثوري، محمد علي جعفري، واشنطن من تصنيف مجموعات طهران بالإرهابية.
وقال الجعفري إن قواته "ستعتبر قوات الجيش الأمريكي بمثابة داعش إذا نفذت هذا القرار".
أما رئيس الأركان الإيرانية، محمد باقري، فهدد بدوره أن بلاده ستستهدف المصالح والقواعد والقوات الأمريكية في المنطقة في حال أدرج "الحرس الثوري" الإيراني على قائمة المنظمات الإرهابية .
تخبط وتهديد من هنا وهناك يكشفان أن طهران تعيش أزمة ما بعد الانسحاب الأمريكي في كل تجلياته، وأن عنجهيتها التي كانت تصبها على بلدان المنطقة، وجدت أخيرا من يكبح جماعها ويقلصها إلى حجمها الطبيعي.
فالواضح هو أن طهران تقف اليوم مجرّدة من جميع أوراق ضغطها التي كانت تستخدمها ذريعة للتدخل في شؤون الآخرين، وخصوصا ورقة "داعش" في سوريا والعراق، وليس ذلك فقط، وإنما تعدّ نفسها لخسارة أوراق حلفائها المحليين في سوريا واليمن، عقب عمليات التعبئة والتجييش والشحن المذهبي .