وراء مقود «فورد».. اليابان تبحث عن ممر آمن في علاقتها مع ترامب
قد لا تكون الدبلوماسية دائما عبر الخطابات والمفاوضات، فشاحنة فورد F-150 قد تتحول إلى جسر سياسي بين واشنطن وطوكيو في عهد تاكايشي.
واليوم الإثنين، وصل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، إلى اليابان، قادما من ماليزيا، حيث تعول رئيسة الوزراء الجديدة ساناي تاكايشي، على بناء علاقة شخصية ودية مع الضيف الكبير لتخفيف التوترات التجارية.
ووفق ما طالعته "العين الإخبارية" في وكالة "أسوشيتد برس"، قد يكمن أحد مفاتيح هذه الاستراتيجية في فكرة طرحتها الحكومة اليابانية لشراء أسطول من شاحنات فورد F-150، وهي لفتة ذات مغزى قد تكون غير عملية أيضا نظرا لضيق شوارع طوكيو والمدن اليابانية الأخرى.
ويمثل هذا اختبارا دبلوماسيا مبكرا لتاكايشي، أول امرأة تقود اليابان، والتي تولت منصبها الأسبوع الماضي فقط.
ترامب من جانبه، اقتنع فورا بفكرة شاحنات فورد أثناء توجهه إلى آسيا على متن طائرة الرئاسة الأمريكية. وقال للصحفيين: "إنها تتمتع بذوق رفيع". "يا لها من شاحنة ساخنة".
وفورد F-150 هي واحدة من أكثر الشاحنات شهرة في الولايات المتحدة والعالم، وتندرج ضمن فئة الشاحنات الخفيفة.
وخلال مكالمة هاتفية بينهما يوم السبت، أكدت تاكايشي لترامب أنها كانت من أقرب تلاميذ رئيس الوزراء الراحل شينزو آبي، الذي ربطته علاقة قوية بالرئيس الأمريكي خلال ولايته الأولى.
كما أثنت على جهوده في التوصل إلى وقف إطلاق النار في قطاع غزة والذي أدى إلى إطلاق سراح الرهائن المحتجزين لدى حركة حماس.
وقالت تاكايشي للصحفيين عن ترامب: “وجدته شخصا مرحا ومتفائلا، وقد أخبرني أنه يتذكرني كإحدى السياسيات اللواتي كان آبي يثق بهن كثيرا. وأكدت له أنني أتطلع بشدة إلى استقباله في طوكيو".
وأثناء وجوده على متن طائرة الرئاسة، اليوم، صرح ترامب بأنه يعتزم التحدث في طوكيو عن "الصداقة العظيمة" بين الولايات المتحدة واليابان.
إعادة ضبط العلاقات التجارية
وراء هذا الدفء الدبلوماسي، لفتت الوكالة إلى أن اليابان تسعى لإعادة ضبط علاقتها التجارية المعقدة مع واشنطن، بعد أن فرض ترامب رسوما جمركية جديدة في وقت سابق هذا العام.
ويريد ترامب من حلفائه شراء المزيد من السلع الأمريكية، وتقديم التزامات مالية لبناء مصانع وبنية تحتية للطاقة في الولايات المتحدة.
وتأتي الاجتماعات في اليابان قبل لقاء ترامب بالزعيم الصيني شي جين بينغ، يوم الخميس، في كوريا الجنوبية.
وسعت كل من الولايات المتحدة واليابان إلى الحد من طموحات الصين الصناعية، إذ إن ظهور السيارات الكهربائية الصينية، والذكاء الاصطناعي، ورقائق الكمبيوتر المتقدمة قد يقوض الاقتصادين الأمريكي والياباني.
تقول كريستي جوفيلا، رئيسة قسم اليابان في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، وهو مركز أبحاث في واشنطن: "في ضوء الاجتماع المزمع بين ترامب وشي جين بينغ بعد ذلك بوقت قصير، قد يفكر الرئيس الأمريكي أيضا في كيفية تعزيز موقفه من خلال إظهار متانة العلاقات الأمريكية اليابانية".
وكانت الإدارة اليابانية السابقة، قد وافقت في سبتمبر/أيلول الماضي، على استثمار 550 مليار دولار في الولايات المتحدة، مما دفع ترامب إلى خفض الرسوم الجمركية التي هدد بفرضها على السلع اليابانية من 25% إلى 15%. غير أن طوكيو تريد أن تصب هذه الاستثمارات في مصلحة الشركات اليابانية.
وصرح وزير الاقتصاد والتجارة الياباني، ريوسي أكازاوا، بأن وزارته تعد قائمة بمشاريع في قطاعي رقائق الحاسوب والطاقة سعيا لتحقيق هدف الاستثمار.
وقال للصحفيين يوم الجمعة: "على حد علمي، سمعت أن هناك عددا من الشركات اليابانية تبدي اهتماما"، دون أن يفصل المزيد من التفاصيل.
شاحنة فورد.. رمز دبلوماسي جديد
يبحث المسؤولون اليابانيون إمكانية شراء المزيد من فول الصويا والغاز الطبيعي المسال والسيارات الأمريكية.
وبحسب "أسوشيتد برس "، يمثل وجود شاحنات فورد في شوارع طوكيو الشاهقة فوزا لترامب. فلطالما اشتكت إداراته من استبعاد السيارات الأمريكية من سوق تُعد موطنا لشركات تويوتا وهوندا ونيسان وإيسوزو وميتسوبيشي وسوبارو.
وأفادت صحيفة نيكي اليابانية بأن تاكايشي قد ترتب عرض شاحنات فورد F-150 في مكان يتاح لترامب رؤيتها فيه.
وتدرس الحكومة استيراد الشاحنات لوزارة النقل لاستخدامها في فحص الطرق والبنية التحتية، على الرغم من وجود مخاوف من أن F-150 قد تسبب ازدحاما مروريا في الشوارع اليابانية الضيقة.
وأفادت وسائل إعلام يابانية بأن رئيس مجلس إدارة شركة تويوتا موتور، أكيو تويودا، قد يعلن عن خطط لاستيراد سيارات شركته الأمريكية الصنع إلى اليابان خلال عشاء مع ترامب وقادة أعمال آخرين يوم الأربعاء.
ومن شأن هذه المبادرات - إلى جانب صلة تاكايشي بآبي - أن تساعدها على التعامل مع ترامب، الذي يبدو أنه يفضلها. بحسب المصدر نفسه.
وقال ترامب على متن الطائرة الرئاسية: "أعتقد أنها ستكون رائعة". إنها صديقة عزيزة للسيد آبي، الذي كان رجلا عظيما.
إرث آبي وتحديات تاكايشي
في عام ٢٠١٦، أهدى آبي ترامب مضرب غولف فاخرا احتفالا بانتخابه الأول، وتوطدت العلاقة بين الزعيمين بفضل حبهما للغولف.
وكثيرا ما يعرب ترامب عن حزنه لاغتيال آبي عام ٢٠٢٢.
لكن بعض المحللين، مثل رينتارو نيشيـمورا من شركة ذا آسيا غروب، يحذرون من أن اعتماد تاكايشي المفرط على إرث آبي قد يعيق بناء شخصيتها القيادية المستقلة.
وقال: “لأنها أولى خطواتها الدبلوماسية، فهي تريد أن تبدأ بقوة، لكن المبالغة في استحضار إرث آبي قد لا تكون مفيدة لها على المدى الطويل.”
ومن المقرر أن يلتقي ترامب، فور وصوله إلى طوكيو يوم الإثنين، الإمبراطور ناروهيتو، ثم يعقد محادثات مع تاكايشي يوم الثلاثاء، قبل أن يلقي خطابا على متن حاملة الطائرات الأمريكية USS George Washington، ويشارك في عشاء عمل مع قادة الأعمال، على أن يغادر إلى كوريا الجنوبية الأربعاء.