هل ستنجح قمة ترامب ــ كيم في التوصل إلى "أعظم اتفاق"؟ سؤال محير علينا جميعاً أن نترقب الرد عليه.
في تطور لم يكن يتوقعه أي مراقب منذ أسابيع قلائل مضت، تم الإعلان مؤخراً عن عقد قمة تاريخية بين الغريمين النوويين، الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والزعيم الكوري الشمالي كيم جونج أون خلال شهر مايو المقبل.
المفاجآت لا تقتصر على خبر انعقاد القمة، بل تتضمن أيضاً "ثقة" الرئيس ترامب من أن المحادثات التاريخية التي سيجريها مع نظيره الكوري الشمالي ستثمر عن "نجاح هائل" لأن بيونج يانج تريد "صنع السلام"، وأن الوقت "قد حان"، على حد تأكيد الرئيس الأمريكي، الذي طالما نصح وزير خارجيته ريكس تيلرسون بألا يهدر وقته في محاولات فتح الحوار مع الجانب الكوري الشمالي.
ترامب يمتلك حظوظا للنجاح في تحقيق هدفه؛ لسبب أساسي يتمثل في حماس كوريا الجنوبية الشديد لإنجاح القمة، علاوة على أن ترامب لن يقبل بالفشل، وسيحاول التوصل إلى أفضل صفقة يمكن التوصل إليها، وضمان تسويقها للرأي العام الأمريكي باعتباره "إنجازا سياسيا غير مسبوق"
ترى هل صدق مبدأ الرئيس الأمريكي الأسبق فرانكلين روزفلت القائل: "تكلم بثقة وهدوء ولوح بعصاك بكل حزم"، أم أن هناك مناورة ما ستتكشف أبعادها خلال هذه المحادثات؟ أم انتصر منطق السياسة الذي يقول إنه لا أصدقاء دائمين ولا أعداء دائمين، ولكن هناك مصالح دائمة؟
حتى الآن، يبدي الرئيس ترامب ثقة مثيرة للاستغراب في التزام كوريا الشمالية بعدم إطلاق أي صاروخ حتى موعد المفاوضات، وهو الذي كان ينعت الزعيم الكوري الشمالي حتى أيام قلائل مضت بصفات لا تتماهى مطلقاً مع ارتفاع مستوى الثقة الذي تحدث به ترامب!!
هل ينجح الزعيمان إذن في بناء الثقة وتجاوز مرحلة السباب والشتائم وانعدام الثقة منذ وصولهما إلى السلطة؟
بعض الخبراء يقولون إن أصعب التفاهمات لا يقدر على الوصول إليها سوى أكثر القادة السياسيين تشدداً، فيما يرى آخرون أن لدى الرئيسين سمات مشتركة تؤهلهما لبناء التوافق وتشجعهما على التوصل إلى اتفاق وصفه ترامب بأنه قد يكون "أعظم اتفاق"، بينما تتحدث تقارير إعلامية عن أن كيم يريد "كتابة التاريخ"؛ فهل يطغى الطموح إلى مجد شخصي على ما عداه من خلافات وتباينات؟!
الأرجح- من وجهة نظري- أن الرئيسين سيكون لديهما دافع ذاتي قوي للتوصل إلى اتفاق أو على الأقل تحقيق اختراق نوعي في العلاقات الثنائية، فالرئيس ترامب يريد المضي فيما يعتبره إنجازات فردية لم يسبقه إليها رئيس أمريكي، وتحقيق السلام مع كوريا الشمالية قد ينطوي على إغراء خاص بذلك، حيث رأى ترامب كيف كان لقرار اعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل رد فعل قوي عزز شعبيته لدى أنصاره ومؤيديه في الشارع الأمريكي، فبغض النظر عن موقفنا ورأينا، كعرب ومسلمين، حيال هذا القرار الكارثي، فإنه بات مصدر فخر للرئيس ترامب وفريق مستشاريه!
يتعامل ترامب مع مفاوضاته المحتملة مع كيم باعتبارها "صفقة"، بحكم خلفيته كرجل أعمال اعتاد منطق "الصفقات"، لذا يشير في تصريحاته إلى أنها قد تفشل أو تسفر عن "أعظم اتفاق"، ونلاحظ هنا أنه لا يمر بين مساري النجاح والفشل ولا يعترف بالمنطقة الرمادية التي يجيد الساسة عادة اللعب والمرور فيها، فهو يجيد بدرجة أكبر كسب كل شيء أو لا شيء، وهو منطق مغاير لمنطق السياسة، التي تقوم على فكرة التنازلات المتبادلة، بل لا تعترف أساساً بفكرة كسب كل شيء أو لا شيء، فهي تعتمد على المرونة وإجراء المقايضات وصولاً إلى تفاهم يرضي جميع الأطراف.
يشكك بعض الخبراء الأمريكيين في مقدرة ترامب التفاوضية وبالتالي إمكانية نجاحه في انتزاع انتصار سياسي عبر هذه القمة المحتملة، ولكني لا أرى أن هذه الشكوك في محلها، لاسيما أن من يشكك اليوم كان بالأمس يحذر من "تهور" ترامب واندفاعه الذي يمكن أن يجر الولايات المتحدة إلى صراع نووي مع كوريا الشمالية، حيث ثبت للجميع أنه كان يناور ويستخدم العصا بقوة من أجل تهيئة الأجواء للجلوس للتفاوض بهدوء، بل إنه -عن قصد أو غير قصد- مارس لعبة توزيع الأدوار بحرفية، حين استخدم أقصى درجات التشدد وبلغ حافة الهاوية لدرجة أرعبت العالم في حين كان يعطي الضوء الأخضر لوزير خارجيته للحديث مع الجانب الكوري الشمالي، بل الاستعداد لقيام ابنته إيفانكا ترامب برئاسة وفد بلادها إلى دورة الألعاب الشتوية في كوريا الجنوبية التي شارك فيها وفد كوريا الشمالية، وهي المشاركة التي توجت بنجاح كوريا الجنوبية في تنسيق القمة المرتقبة رغم أن إيفانكا ذهبت "من أجل توصيل الضغط على كوريا الشمالية إلى أقصى مستوياته".!!
قناعتي أن ترامب يمتلك حظوظا للنجاح في تحقيق هدفه؛ لسبب أساسي يتمثل في حماس كوريا الجنوبية الشديد لإنجاح القمة، علاوة على أن ترامب لن يقبل بالفشل، وسيحاول التوصل إلى أفضل صفقة يمكن التوصل إليها وضمان تسويقها للرأي العام الأمريكي باعتباره "إنجازا سياسيا غير مسبوق"، كما أنه لن يقبل بما حققته دبلوماسية الديمقراطيين عندما ذهبت وزيرة الخارجية السابقة مادلين أولبرايت إلى بيونج يانج عام 2000، وكانت أرفع مسؤولة أمريكية تزور هذا البلد، وعادت خالية اليدين من محادثاتها مع كيم جونج إيل (والد زعيم كوريا الشمالية الحالي كيم جونج أون)، وهي الزيارة التي كانت موضع رهان كبير للحزب الديمقراطي، وقالت عنها أولبرايت إنها فتحت مسار حوار إيجابي أغلق في ظل إدارة بوش الابن.
أخيراً: هل ستنجح قمة ترامب ــ كيم في التوصل إلى "أعظم اتفاق"؟ سؤال محير علينا جميعاً أن نترقب الرد عليه.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة