النفوذ الأمريكي في أفريقيا بين مطرقة روسيا وسندان الصين

يواجه النفوذ الأمريكي في أفريقيا تهديدات متزايدة خاصة في ظل المنافسة مع روسيا والصين.
تشير التقارير الأخيرة إلى أن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تتجه لزيادة التعاون الاستخباراتي والدعم العسكري مع الأنظمة العسكرية الحاكمة في مالي وبوركينا فاسو والنيجر.
هذه الخطوة تأتي ضمن إطار صفقة تهدف إلى ضمان وصول الولايات المتحدة إلى المعادن الاستراتيجية في منطقة الساحل، ومواجهة النفوذ الروسي والصيني المتزايد هناك.
ورغم أن هذا التوجه قد يجد قبولاً لدى الحكومات العسكرية في المنطقة، وكذلك لدى بعض الدوائر المتشددة في واشنطن، إلا أن فعاليته في معالجة أزمة التمرد والإرهاب تبدو محدودة للغاية، بل قد تؤدي إلى نتائج عكسية، وفقا لما ذكره موقع "ريسبونسيبل ستايت كرافت".
ومنذ بداية الألفية، شهدت منطقة الساحل الأوسط صعوداً ملحوظاً للجماعات الإرهابية، تعزز بعد تمرد شمال مالي عام 2012 وفي حين أضعف التدخل الفرنسي بين 2013 و2022 هذه الجماعات مؤقتاً، إلا أنه لم يقضِ عليها.
وسرعان ما عاد التمرد ليتوسع نحو وسط مالي ومنها إلى بوركينا فاسو والنيجر، ثم امتد إلى دول ساحلية مثل بنين وتوغو وكوت ديفوار حيث أدى فشل القادة المدنيين في مواجهة الأزمة إلى سلسلة من الانقلابات العسكرية بين 2020 و2023.
وقد تبنت الأنظمة العسكرية خطاباً يقوم على استعادة السيادة الوطنية، وطرد القوات الفرنسية، والتشدد في شروط استغلال الموارد الطبيعية من قبل الشركات الأجنبية وهو ما منحها دعماً شعبياً داخلياً، لكنه لم يترجم إلى نجاحات عسكرية ملموسة، بل على العكس، ارتفع مستوى العنف وخسرت بعض هذه الدول السيطرة على أجزاء واسعة من أراضيها.
ويردد الكثيرون أن رحيل القوات الفرنسية أو تراجع التعاون الأمريكي هو السبب وراء تدهور الوضع الأمني لكن هذه العوامل ليست سوى جزء صغير من المشكلة فحتى في ذروة الوجود الفرنسي والدعم الأمريكي، استمر التمرد في التوسع.
كما أن الاعتماد المفرط على المساعدات العسكرية الغربية ساهم في إضعاف المؤسسات المحلية وتعزيز السخط الشعبي، وهو ما مهد الطريق للانقلابات العسكرية ذات التوجهات المعادية للغرب.
في هذا الإطار جاء التدخل الروسي ليكمل المنطق الأمني نفسه لكن دون تحقيق نتائج أمنية ملموسة، وبالتالي أثبتت كل القوى الخارجية (فرنسا، الولايات المتحدة، وروسيا) فشلها في معالجة جذور الأزمة.
المشكلة وفقا للتحليل أن رؤية إدارة ترامب، لا تختلف كثيراً في جوهرها إلا من حيث ميلها إلى تقديم الدعم العسكري دون ربطه بخطاب حول حقوق الإنسان والتنمية كما كان الحال في إدارات أمريكية سابقة.
ويشير التحليل إلى أن تبادل المعلومات الاستخباراتية أو دعم العمليات الخاصة قد يساعد في القضاء على بعض القيادات الإرهابية، لكنه لا يعالج المشكلة الأعمق المتمثلة في الحاضنة الشعبية الواسعة للتمرد فمازالت هذه الحركات قادرة على حشد آلاف الشباب، وفرض حصار على المدن، وقطع الطرق الحيوية، وتنفيذ كمائن مميتة ضد القوات الوطنية والأجنبية على حد سواء.
ووفقا للتحليل فإن الأزمة في جوهرها ليست عسكرية فقط، بل لها جذور اجتماعية وسياسية عميقة حيث تعاني جيوش المنطقة من الانقسامات والفساد وضعف الانضباط، كما أن الدول ذاتها هشة وتفتقر إلى القدرة على بسط الحكم الرشيد في الأطراف.
وبالتالي، فإن أي دعم خارجي يركز على العتاد أو التدريب دون إصلاح سياسي واجتماعي شامل، محكوم عليه بالفشل.
من ناحية أخرى، تبدو الحسابات الاقتصادية لإدارة ترامب محفوفة بالمخاطر فقد تصطدم فكرة "الأمن مقابل المعادن" بخطاب السيادة المهيمن على المنطقة، حيث يسعى القادة العسكريون والسياسيون المحليون إلى تعزيز سيطرتهم على الموارد وعوائدها.