الجدل الذي يقوده ترامب حالياً يشوه ما تحتفظ به ذاكرة الرأي العام العالمي من إعجاب وانبهار للانتخابات الرئاسية.
في كل مرة يظهر فيها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إعلامياً يحير المراقبين ويؤكد أنه شخصية مختلفة عرفت إعلامياً بـ"ظاهرة ترامب"، فعلى الرغم من أنه لم يعترف إلى الآن بخسارته الانتخابات الرئاسية أمام منافسه الديمقراطي جو بايدن، إلا أنه أعلن أنه سيخوض الانتخابات الرئاسية لعام 2024، فهل هو بهذا يعلن "ضمنياً" عن تقبله الخسارة الانتخابية ويمهد للآخرين قبول النتيجة المعلنة أم أنه يسجل سلوكاً جديداً في التجربة الأمريكية وهي أن يحكم الرئيس لأكثر من فترتين رئاسيتين "الاستثناء الوحيد كان الرئيس فرانكلين روزفلت لأسباب لها علاقة بالحرب العالمية الثانية".
لقد مر أسبوع كامل على انتهاء الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة التي أعلن فيها عن فوز بايدن، إلا أن ما تمخض عنها من تصريحات ومواقف من بعض السياسيين الأمريكيين الجمهوريين أبسطها أنها نتائج شهدت تزويراً تؤكد أنها لم تكن انتخابات عادية، بل هي الأكثر غرابة في مر تاريخ الولايات المتحدة، وقد يؤدي الجدل الذي يقوده ترامب حالياً إلى تشويه ما تحتفظ به ذاكرة الرأي العام العالمي من إعجاب وانبهار للانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة من حيث النزاهة والشفافية، وبذلك يكون أحد الرموز الأمريكية قد مست إن تكن قد سقطت.
الحالة الوحيدة التي حدث فيها جدل بسيط كان في عام 2000 عندما فاز الديمقراطي آل جور في البداية، ولكن المحكمة العليا في الولايات المتحدة قررت إعادة فرز أصوات ولاية فلوريدا لتعلن فوز المرشح الجمهوري جورج بوش الابن، لكن ما يحدث هذه الأيام يدعو للقلق.
وعليه من حق المعجبين بالتجربة الديمقراطية الأمريكية القلق من حدوث ما يشوهها أو يخدشها، خاصة أنه خلال الأعوام الأربعة الماضية لم تكن التجربة الأمريكية التي عهدها الناس بأن رئيسها لا بد أن يكون ذا "كاريزما" سياسية تليق بالدولة الأكبر والأقوى في العالم.
واللافت في المشهد كله رد فعل الرئيس دونالد ترامب عندما هدد بعدم التسليم بالنتائج إلى درجة تم تداول أنباء عن إمكانية رفضه الخروج من البيت الأبيض كونه يعتبر نفسه الفائز، ما أدى لأن يتحرك مناصروه من باقي الولايات إلى واشنطن للاعتراض على النتائج، وهو تقليد غير مألوف في الدول الغربية والولايات المتحدة، خصوصاً صاحبة أشهر تجربة لدولة المؤسسات في العالم، لذا فإن حالة الارتباك السياسي والتشويش على دوائر صناعة القرار في عدد من دول العالم ستستمر لحين انتهاء مراسم تسليم السلطة في يناير من العام المقبل حينها ستنتهي مغامرات "ظاهرة ترامب".
صحيح أن مجريات أحداث الانتخابات لم تكن سهلة حتى مع فوز بايدن ففي أحيان كثيرة كانت الكفة غير مستقرة لطرف معين، بل إنها تميل أحياناً نحو ترامب حتى تعتقد أنه الفائز ثم تعود مرة ثانية إلى بايدن ما يعني أنها –انتخابات- اتسمت بالصعوبة والتوتر، بل هناك بعض المحللين لا يزالون غير مقتنعين بأن "ماراثون الانتخابات" قد انتهى.
من الناحية النظرية، فإن المعروف أن المنتمين إلى الحزب الديمقراطي هم الأكثر نشاطاً وتفاعلاً في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، لأن أغلب أعضائه من الطبقة الوسطى، وبالتالي يهتمون بمن يأتي ببرنامج سياسي يخدم مصالحهم على عكس أعضاء الحزب الجمهوري الذين أقرب لأن يكونوا من طبقة رجال الأعمال والماليين ومن الأمريكيين المحافظين، وبالتالي فهم "نظرياً" الأقل مشاركة في الانتخابات، ما أريد التوصل إليه كاستنتاج بجانب النتائج التي أعلنت فوز بايدن، أنه واقعياً تكون النتيجة الفعلية هي لصالح بايدن وعليه فإن القضايا التي يرفعها الرئيس ترامب تثير البلبلة والتشكيك في نتائج الانتخابات لا أكثر وهذا قد يؤدي إلى "كسر" إحدى الصور النمطية المعروفة بالانتخابات الأمريكية، التي تقول إن صناديق الاقتراع هي السلاح السياسي الذي على المواطن أن يستخدمه ضد من لا يعجبه سلوكه السياسي وليس وفق الثقافة السياسية المتبعة في بعض دول العالم الثالث، وهو الانقلاب أو تدمير كل الملفات الاستراتيجية قبل الرحيل.
أخطر ما يمكن أن يهدد التجربة الأمريكية الآن هو أن ينجح ترامب في إثبات أن الانتخابات شهدت تزويراً متعمداً، وهذا سيناريو مستبعد، بعد أن أعلن عن فوز بايدن وهنأه عدد من دول العالم، بل قد يصل الأمر لأن يمس الانبهار بالتفوق الإعلامي الأمريكي، حيث إن الإعلان عن فوز بايدن تم من خلال القنوات الإعلامية المحافظة مثل "فوكس نيوز" وصحيفة نيويورك تايمز.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة