ترامب يصعد الهجوم على باول: «شيد قصرا بملياري دولار في مقر الفيدرالي»

بعد سنوات من الانتقادات العلنية الموجهة لرئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول، عاد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لتصعيد الهجوم ضد حاكم البنك المركزي الأمريكي.
وهذه المرة، يوجه ترامب انتقاداته نحو تجديدات بقيمة 2.5 مليار دولار لمقر الاحتياطي الفيدرالي في واشنطن العاصمة، مستخدمًا هذا المشروع كتبرير محتمل لإقالة باول من منصبه.
ووفقا لتقرير لصحيفة الغارديان البريطانية، فإن عداء ترامب لباول ليس جديدًا. فمنذ تعيين باول في عام 2018، تصادم الاثنان مرارًا بشأن السياسات الاقتصادية، خاصة ما يتعلق بأسعار الفائدة.
ولطالما طالب ترامب بخفض الفائدة لتحفيز الاقتصاد ودعم الأسواق، لا سيما في فترات عدم الاستقرار. لكن باول دافع بقوة عن استقلالية البنك المركزي، ورفض الاستجابة للضغوط السياسية — وهو ما أثار غضب ترامب مرارًا.
والآن، بدأ ترامب يلمّح إلى أن طريقة إدارة باول لمشروع التجديد الكبير في مباني البنك المركزي قد تشكل "مخالفة قابلة للعزل". وقال في تصريح صحفي: "لم أكن أظنه من أولئك الذين يحتاجون إلى قصر ليسكنوا فيه.. أكثر ما يفاجئني أنه أنفق مليارين ونصف دولار لبناء ملحق صغير لمقر الاحتياطي".
ويلمح ترامب وإدارته إلى أن باول قد يكون كذب على الكونغرس بشأن تفاصيل مشروع التجديد، وهو ما قد يُستخدم كمبرر قانوني لإقالته.
لكن خبراء القانون، وكذلك المحكمة العليا، أوضحوا أن الرئيس لا يملك ببساطة سلطة عزل رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي، حتى لو أراد ذلك.
عداء كبير
في صميم هذا الخلاف يكمن تعارض واضح في الرؤى حول السياسة النقدية والاستراتيجية الاقتصادية العامة. وفرض ترامب، خلال رئاسته، سلسلة من الرسوم الجمركية القاسية التي تسببت في تقلبات في الأسواق، وأثارت مخاوف من التضخم، وخلقت حالة من عدم اليقين لدى رجال الأعمال.
من جهته، اتبع الاحتياطي الفيدرالي نهجًا حذرًا. ففي اجتماعاته الأربع هذا العام (يناير/كانون الثاني، مارس/أذار، مايو/أيار، ويونيو/حزيران)، ولم يُجرِ المجلس أي تغييرات على سعر الفائدة، رغم الضغوط السياسية من ترامب. ذلك أن هدف الاحتياطي هو الحفاظ على التوظيف الكامل واستقرار الأسعار، وهما هدفان لا يتحققان بسهولة في ظل اضطرابات اقتصادية ناتجة عن قرارات سياسية.
ورفض خفض الفائدة أثار غضب ترامب. ففي منشور على وسائل التواصل الاجتماعي، وصف باول بـ"Too Late" (أي "متأخر جدًا")، واتهمه بخنق سوق الإسكان بسبب الفائدة المرتفعة. وكتب: "لا أستطيع أن أشرح لكم مدى غباء Too Late – إنه سيئ جدًا لبلدنا!"
من وجهة نظر ترامب، فإن خفض أسعار الفائدة سيساعد في تعويض الأثر السلبي للرسوم الجمركية على الاقتصاد والأسواق. لكن باول حذّر من أن هذه الخطوة ستزيد من وتيرة التضخم.
وفي رد نادر، قال باول علنًا إن الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب كانت السبب الرئيسي في إحجام الاحتياطي عن خفض الفائدة، موضحًا: "توقفنا عندما رأينا حجم الرسوم. فكل توقعات التضخم في الولايات المتحدة ارتفعت بشكل كبير نتيجة لتلك السياسات".
وقد أظهرت بيانات التضخم الأخيرة صحة مخاوفه، حيث ارتفع معدل التضخم السنوي من 2.4% في مايو/أيار إلى 2.7% في يونيو/حزيران — وهو أعلى ارتفاع شهري منذ مارس/آذار 2024. مما يجعل من المستبعد جدًا أن يقوم الاحتياطي بخفض الفائدة في اجتماعه المقبل نهاية يوليو/تموز.
هل يمكن لترامب قانونيًا إقالة رئيس الاحتياطي؟
ورغم تهديداته المتكررة، يواجه ترامب عوائق قانونية كبيرة في حال حاول فعليًا عزل باول. فقد أصدرت المحكمة العليا مؤخرًا قرارًا يؤكد أن الاحتياطي الفيدرالي يتمتع بوضع قانوني خاص.
ورغم أن المحكمة سمحت لترامب سابقًا بإقالة اثنين من مسؤولي مجالس العمل الفيدرالية، إلا أنها شددت على أن الاحتياطي الفيدرالي "كيان شبه خاص يتمتع ببنية قانونية فريدة، ويتبع تقليدًا تاريخيًا واضحًا منذ تأسيس البنكين الأول والثاني للولايات المتحدة".
وهذا يعني أن منصب رئيس الاحتياطي محصن من الإقالة السياسية المباشرة، وهو حجر أساس في الحفاظ على استقلالية السياسة النقدية في الولايات المتحدة. وأي محاولة من ترامب لعزل باول قد تؤدي إلى معركة قانونية كبرى، وتهز ثقة المستثمرين في المؤسسات الاقتصادية الأمريكية.
ومع ذلك، يبدو أن إدارة ترامب تحاول إيجاد ثغرة. باتهام باول بإساءة إدارة أموال التجديد، أو تضليل الكونغرس، قد يُقدَّم ذلك كسبب قانوني بديل، لا يتعلق بالسياسة النقدية، بل بسوء السلوك المهني.
لكن مثل هذه الخطوة ستكون غير مسبوقة. لم يحدث قط أن قام رئيس أمريكي بإقالة رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي. وحتى في أشد الخلافات، احترم الرؤساء تقليديًا استقلالية البنك المركزي.
لكن ترامب لم يكن يومًا ممن يتبعون الأعراف. وبينما يواصل سعيه لفرض رؤيته الاقتصادية، فإن النزاع مع باول والاحتياطي الفيدرالي يعود إلى الواجهة — مع عواقب محتملة تتجاوز مجرد السياسة.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMTA2IA== جزيرة ام اند امز