ترامب وحرب أوكرانيا.. هل يمكن للتنازلات أن تصنع سلاما؟

في حين يطرح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نفسه كصانع محتمل للسلام في الحرب الأوكرانية، يثير تعامله مع طرفي الصراع تساؤلات حول حدود قدراته
في تحليل كتبه ستيفن سيستانوفيتش، زميل بارز في مجلس العلاقات الخارجية وأستاذ فخري في كلية الشؤون الدولية والعامة بجامعة كولومبيا، لمجلة "فورين بوليسي"، قال فيه إن ترامب "يستمر في البحث عمّن يُلقي عليه اللوم لفشله في إنهاء الحرب الروسية على أوكرانيا".
فتارة يُحمل المسؤولية للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، وتارة لنظيره الروسي فلاديمير بوتين. ولا يغيب عن حديثه عن سلفه جو بايدن. يضيف الكاتب في التحليل الذي طالعته "العين الإخبارية".
ومن أجل التوقف عن ذلك، يقترح سيستانوفيتش، أن يفكر ترامب في "مسؤوليته الشخصية عن هذا الجمود"، والنظر بجدية في ما هو ممكن وما هو غير ممكن، وفهم ما يتطلبه تحقيق سلام مستدام.
وأمام هذا، يرى الخبير السياسي والاستراتيجي أنه خلال الأشهر الثلاثة الماضية، كان ينبغي أن يتضح لترامب من خلال تتبعه لمواقف زيلينسكي أن فرص التوصل لتسوية شاملة يقبلها الطرفان وتضمن سلاما دائما "تكاد تكون معدومة".
فبوتين أصرّ بشدة على أن أي اتفاق يجب أن يعالج "الأسباب الجذرية" للصراع، وقد أوضح تمامًا تعريفه لها وهي "نزع السلاح" و"القضاء على النازية".
وفي هذا الصدد، يشير ستيفن سيستانوفيتش إلى أن ترامب "محق في أن قادة أوكرانيا لديهم أهدافهم الطموحة الخاصة - استعادة الأراضي، والعضوية في المؤسسات الأوروبية الأطلسية، وتعويضات روسيا، والمساءلة عن انتهاكات الحرب، وغيرها".
ومع ذلك، أوضح زيلينسكي ومسؤولوه منذ فترة طويلة أن مثل هذه الأهداف لا تُعيق تحقيق سلام مؤقت. ويقولون إن استعادة جميع الأراضي التي فقدتها أوكرانيا منذ ضم روسيا لشبه جزيرة القرم عام ٢٠١٤ أمرٌ يجب تحقيقه دبلوماسيا - أي بمرور الوقت وليس بالقوة.
أما الانضمام إلى حلف الناتو، فكييف تُقرّ بأن ذلك لن يحدث فورا.
في حين يُعتبر الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي عملية أخرى تستغرق سنوات.
وهنا يكمن البديل
ويستبعد سيستانوفيتش أن تقبل أوكرانيا الوضع الذي يطالب به بوتين، أو أن تعترف رسميا بخسارة الأراضي أو بالقيود على قدرتها على الدفاع عن نفسها في المستقبل.
وكون التسوية الكاملة للحرب بعيدة المنال ، فإن هذا يعني برأي الخبير السياسي نفسه، أن على ترامب ومفاوضيه العمل ضمن حدود البديل الأفضل، والمتمثل في: إنهاء الأعمال العدائية التي تُحيل القضايا العالقة الكبرى إلى نوع من "عملية سلام" مفتوحة (قد لا تُحل فيها أبدا).
وهنا يلفت الكاتب إلى أن الرئيس الأمريكي قد يفضل التوصل إلى اتفاق "كبير وجميل"، لكن ما هو مطروح على الطاولة هو مجرد هدنة.
كيف يمكن لترامب إقناع بوتين؟
وبسبب تضاد أهداف زيلينسكي وبوتين، يسعى كل منهما إلى تضمين بعض مطالبه الكبرى في أي هدنة مؤقتة. ولهذا السبب، يكرر المسؤولون الأمريكيون أن الانضمام للناتو أو استعادة جميع الأراضي المحتلة ليست أهدافا واقعية في الوقت الراهن.
ومن غير المنطقي أن تلمّح واشنطن، كما فعلت سابقا، إلى إمكانية الاعتراف رسميا بضم روسيا للقرم—وهو "تنازل لا يمكن لأي حكومة أوكرانية قبوله، ويفسد أي جهود تفاوضية".
مثل هذه التنازلات، يضيف الكاتب " لا تقوّض فقط فرص السلام، بل تعزز قناعة بوتين بأنه في موقع قوة. فطالما شعر بأن قواته تحقق تقدما—ولو طفيفا—في الميدان، فإنه سيواصل الضغط ظنا بأنه قادر في النهاية على فرض "سلام المنتصر".
ولإقناع بوتين بقبول هدنة، يطرح الكاتب نفسه أن يُظهر ترامب للرئيس الروسي أن "آماله العسكرية في غير محلها، وأن قواته قد بلغت ذروتها". كما أن تكثيف الدعم العسكري الأمريكي لأوكرانيا مبكرا سيرسل هذه الرسالة.
واعتبر سيستانوفيتش أن التهديدات الأمريكية بـ"الانسحاب" من المفاوضات والتركيز على "أولويات أخرى"—كما صرح وزير الخارجية ماركو روبيو—تعطي انطباعا خاطئا لبوتين بأن واشنطن فقدت الاهتمام بالحرب، وهو ما يشجعه على المضي في استراتيجيته.
ما يحتاجه السلام الدائم في أوكرانيا
وفي حال نجح ترامب، في فرض وقف إطلاق نار غير مشروط نسبيا، فإن التحدي الأكبر سيكون في ضمان ديمومته، بحسب سيستانوفيتش الذي استشهد بالهدنة بين حماس وإسرائيل في قطاع غزة، أو عدد المرات التي توقفت فيها المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية حول حل الدولتين بسبب تجدد العنف.
ففي أوكرانيا سيعتمد السلام الدائم- بالنسبة للخبير السياسي نفسه- على أسئلة عديدة تتعلق بـ:
- الوحدة السياسية لأوكرانيا وحيويتها الاجتماعية
- ديناميكيتها الاقتصادية
- نطاق وقوة تعاونها الدفاعي مع شركائها
- هل ستظل الحكومات الغربية ملتزمة بأمن أوكرانيا وتوفير المعدات والتدريب، وإجراء التدريبات المشتركة، وتبادل المعلومات الاستخباراتية (والقدرات الاستخباراتية)، والاستثمار في صناعة الدفاع النابضة بالحياة والمبتكرة في البلاد؟
- هل سيعود معظم ملايين الأوكرانيين الذين فروا عندما بدأت الحرب؟
- هل ستواصل مؤسسات أوكرانيا - أحزابها ومؤسساتها التجارية، ومنظماتها المدنية إثبات أنها "دولة حقيقية"؟
ولكي يكون ترامب صانع سلام حقيقي، يقول سيستانوفيتش ، إن "عليه أن يساعد في الإجابة على هذه الأسئلة بشكل إيجابي منذ اليوم الأول للهدنة.وينبغي عليه وعلى فريقه أن ينظروا إلى التحدي الماثل أمامهم ليس كأولوية جيوسياسية ثانوية، بل كأولوية ذات أبعاد تاريخية".Trump Putin Ukraine Peace
aXA6IDMuMTQ0LjEzNy4yMzYg جزيرة ام اند امز