كما كان متوقعًا من المراقبين، توصلت الولايات المتحدة مع أوكرانيا إلى اتفاق المعادن الذي كان يطمح إليه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وهو أمر يُدلل على نجاح مقاربة العصا والجزرة التي اتبعها منذ يومه الأول في البيت الأبيض.
إن الاتفاق وما يحويه من تفاصيل يوضّح المقاربة الأمريكية في إدارة السياسة الخارجية على نحو يُعزز من مصالحها الاستراتيجية في حساباتها الدولية. ومن هنا فإن السؤال التالي الذي يأتي بعد هذا التطور التاريخي هو .. ماذا بعد؟ وما هي الأمور التي ستؤول إليها الحرب الأوكرانية؟
بالرغم من النقاش الحاد الدائر حول ماهية القطبية التي نعيشها بين مؤيد ومعارض إن كنّا في نظام متعدد الأقطاب أو أحادي القطبية، فإن الشواهد تعزز للرأي المساند لمواصلة أمريكا لتسيدها على النظام الدولي بعد فرض أجندتها وإرادتها ولو بنهج غير مستقر ودائم التغيير. والمد الغربي لاحتواء الدول الأوراسية لتكون ضمن معسكرهم يُعد أحد أهم الأساليب في الحفاظ على بنية النظام الدولي الذي جاء بعد الحرب الباردة وتسيدته واشنطن، ودعم أوكرانيا في الحرب ما هي إلا ترجمةً لأساليب مواصلة المحافظة على هذا التسيد.
إن الاتفاق الذي حصل جاء بعد وفاة بابا الفاتيكان، فرنسيس، مع الجلسة البسيطة على هامش مراسم جنازته بين ترامب وزيلينسكي بالكراسي المتقاربة جدًا في المسافة بينهما، والتي أوضحت حقيقة الرغبة في احتواء أوكرانيا ضمن المعسكر الغربي.
هذا اللقاء جاء بعد الجدل الذي دار بعد لقائهما الأول في البيت الأبيض، وإعلان الخارجية البريطانية تأجيل اجتماع لندن حول محادثات السلام في أوكرانيا بعد إلغاء وزير الخارجية الأمريكي زيارته للندن.
اللقاء الإيجابي بين الرئيسين الذي استمر لـ15 دقيقة تجلت نتائجه بإعلان وزارة الخزانة الأمريكية الأخير حول توقيع واشنطن مع كييف على اتفاقية لإنشاء صندوق استثماري بين البلدين والذي تضمن مسألة المعادن النادرة.
هذا التطور لا شك أنه يُدلل على أن مصلحة الغرب متوافقة في نهاية المطاف مع النخب الأوكرانية، على الرغم من الأخذ والجذب الحاد الذي يحصل بين التارة والأخرى.
إن أوكرانيا متيقنة أن استمرار تسيد أمريكا يعني استمرار تسيد رؤية المعسكر الغربي الذي تراهن عليه، ومصلحة الغرب تقتضي بأن يكون التفوق لواشنطن لا لبكّين بالإسقاط على المبادئ التي بنو مجتمعاتهم عليها والتي لا تتوافق مع ما هو متبّع من قبل الصين.
فعلى الرغم من اتباع الصين النهج الاقتصادي الرأسمالي، فإنها لازلت سياسيًا واجتماعيًا متمسكة بشيوعيتها. وكما هو معلوم فإن الغرب بعالمهم الليبرالي لن يقبلوا بهيمنة قوى مختلفة معهم فكريًا وأيدلوجيًا.
الموافقة الأوكرانية تُعد مراهنة على القيم الغربية، وتعزيز من المكانة الأمريكية في مواجهة الاقتصاد الصيني عبر المعادن النادرة الداخلة في التكنلوجيا الحديثة لاسيما في الذكاء الاصطناعي الذي يعد المحدد الأهم في قيادة عصر التطور التكنلوجي الذي نعيشه. ولعل الموقف الأوكراني هنا سيؤدي إلى خلق نوع من الضغط داخل أروقة الإدارة الأمريكية لتعزيز المصالح الأوكرانية في التفاهمات مع الجانب الروسي بقيادة بوتين الذي يرى في ترامب الفرصة لتحقيق مصالح بلاده وإنهاء الحرب.
وما يمكن استنباطه مما هو حاصل في هذه الأيام هو أن هذه الاتفاقية ستخلق وجودًا أمريكيًا في الأراضي الأوكرانية، أي أن مرحلة نهاية الحرب قد تكون وشيكة، ولكن يبقى السؤال حول المساومة التي ستُرضي كل من كييف وموسكو حول التخلي عن بعض الأراضي للطرف الآخر.
أما في الصراع مع الصين فإن التحدي القادم لواشنطن بعد هذه الخطوة هو التعامل مع مرحلة "معالجة المعادن النادرة" الذي يُعد سوقًا مهمًا تستحوذ عليه الصين عبر معالجتها لنحو 90% من المعادن العالمية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة