بوتين وجولة اليوم الواحد.. هل يملأ القيصر الفراغ الأمريكي؟
صراع النفوذ الروسي الأمريكي حول فلسطين وسوريا
القرار الأمريكي الخاص بالقدس وجد رفضا دوليا وعربيا عارما.. ولم تغب موسكو عن المشهد العالمي الرافض لتلك الخطوة.
قام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الاثنين، بجولة خارجية وصفت بـ"المكوكية"، شملت سوريا ومصر وتركيا، وناقش خلالها العديد من الملفات على رأسها الأزمة السورية والقضية الفلسطينية.
صراع النفوذ في سوريا
استهل بوتين جولته بزيارة الحليف السوري، حيث وصل بوتين إلى قاعدة حميميم الجوية الروسية وكان في استقباله الرئيس السوري بشار الأسد ووزير الدفاع الروسي سيرغي شويجو، وعدد من العسكريين الروس في القاعدة.
وأمر بوتين خلال الزيارة ببدء التحضير لسحب القوات الروسية من سوريا، معلنا أن موسكو سوف تحتفظ بقاعدتيها؛ الجوية في حميميم، والبحرية في طرطوس، حتى أجل غير مسمى.
صراع النفوذ الروسي الأمريكي في سوريا دفع المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية إيريك باهون إلى التعليق على إعلان بوتين عن بدء سحب قوات بلاده من سوريا، قائلاً: "لن يؤثر على أعمال وأولويات الولايات المتحدة".
وأضاف أن التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب الذي تقوده واشنطن سيواصل نشاطه بسوريا، ويمثل هذا التصريح التعليق الأول للبنتاجون على قرار الرئيس الروسي سحب القوات من سوريا.
وخلال لقائه مع الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي أكد بوتين أنه أطلع الرئيس المصري على نتائج زيارته لسوريا، مشيراً إلى تعزيز التنسيق لإنجاح الحل السياسي، وأن وجهات النظر بين البلدين متقاربة حيال سوريا.
وبعد مرور أكثر من عامين على التدخل الروسي في سوريا استطاعت خلالهما موسكو تغيير الخريطة السورية السياسية والميدانية لصالحها وحليفها القابع في دمشق.
وبالنظر للوضع الميداني والسياسي التفاوضي في مسيرة الأزمة المستعرة منذ أكثر من 6 سنوات، يري مراقبون أن موسكو تمكنت من تغيير موازين القوي بما يخدم أهدافها، ويرسخ بقاء الرئيس السوري ولو في الوقت الراهن.
ومما جنته موسكو من تدخلها في سوريا حسب تقرير سابق لوكالة "سبوتنيك" الروسية، نشرته بمناسبة مرور عامين على التدخل العسكري الروسي، أن روسيا اختبرت نحو 162 نموذجاً من "الأسلحة الحديثة والمتطورة في سوريا".
تنوعت تلك الأسلحة، بحسب "سبوتنيك" ما بين الطيران وبين أنظمة الدفاع الجوي والصواريخ المجنحة والمعدات البرية.
القضية الفلسطينية والدب الروسي
انطلقت طائرة الرئيس الروسي من القاعدة السورية إلى مطار القاهرة، المحطة الثانية لجولة اليوم الواحد، حيث كان في استقباله الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، وناقشا خلال الزيارة عدة ملفات على رأسها العلاقات الثنائية والأزمة السورية، حيث اتفق الطرفان على تعزيز التنسيق بشأن التسوية السورية.
أما القضية الفلسطينية التي اشتعلت عقب قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الأربعاء الماضي، بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس المحتلة والاعتراف بأنها عاصمة إسرائيل، كانت من أولويات جولة بوتين.
وأكد الرئيس الروسي من القاهرة أن جميع الخطوات التي تستبق المحادثات الفلسطينية الإسرائيلية تزعزع الاستقرار، ولا تساعد على تحقيق حل عادل للقضية الفلسطينية.
ومن العاصمة التركية المحطة الثالثة ليوم بوتين، أكد أن قرار الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل يصب الزيت على النار، وأن القرار الذي اتخذه ترامب لا يسهم في تحقيق التسوية، وقد يؤدي إلى زعزعتها.
هل يملأ الدب الروسي الفراغ الأمريكي؟
"إن الولايات المتحدة الأمريكية وبعد قرار اعتبار القدس عاصمة لإسرائيل لم تعد مؤهلة لرعاية عملية السلام".. هكذا أعلن الرئيس الفلسطيني محمود عباس تعليقا على قرار ترامب الخاص بالقدس، والسؤال هل تحل روسيا بديلا لواشنطن في قيادة مفاوضات السلام الفلسطينية-الإسرائيلية؟
السفير حازم أبو شنب، القيادي بحركة فتح، طرح احتمالات لمن يقود عمليات السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ومنها منظمة الأمم المتحدة والرباعية الدولية وروسيا.
ولم يستبعد القيادي بحركة فتح في تصريحات سابقة لـ"بوابة العين" الإخبارية أن تلعب روسيا دورا كبيرا في عملية السلام من منطلق دورها الذي تعمل على تعزيزه في الشرق الأوسط.
القرار الأمريكي الخاص بالقدس الذي وجد رفضا عارما دوليا وعربيا لم تغب موسكو عن المشهد العالمي الرافض لتلك الخطوة، حيث أكدت وزارة الخارجية الروسية أنها تنظر بقلق جدي إلى القرارات التي أعلنت عنها واشنطن.
وأضافت أن التسويات النهائية يجب أن تحقق على أساس المرجعيات الدولية المعروفة، بما في ذلك قرارات مجلس الأمن الدولي والجمعية العامة للأمم المتحدة ذات الشأن.
وذكرت الخارجية الروسية أن رؤيتها لمسألة القدس تقوم على أساس أن القدس الغربية عاصمة لإسرائيل والقدس الشرقية يجب أن تكون عاصمة لدولة فلسطينية مستقلة.
في سبتمبر 2016 وجه بوتين الدعوة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس أبومازن لاستضافة محادثات مباشرة بينهما، وكانت المفاجأة حينها موافقة "أبومازن" على اللقاء دون شروط سابقة، كتلك التي يشترطها عند توجيه دعوات مماثلة من الجانب الأمريكي.
الموافقة الفلسطينية تم إعلانها في ذلك الحين على لسان سفير فلسطين في موسكو عبدالحفيظ نوفل، لكن تهرب الحكومة الإسرائيلية من الرد على دعوة الرئيس بوتين حال دون إتمام هذه المباحثات.
ويرى محللون أن تدخل روسيا في ملف القضية الفلسطينية سوف يزيد من الضغوط الداخلية على إدارة ترامب التي تعاني من اتهامات وتحقيقات بخصوص الاتصالات مع الروس، ومن ثم فإن السماح بنفوذ جديد لروسيا في ملف الصراع الفلسطيني الإسرائيلي المراقب بشدة من الشعب الأمريكي ومراكز الأبحاث الأمريكية والسياسيين سوف يؤرق الرئيس الأمريكي وإدارته كثيرا.
وإذا كانت جولات الرئيس الروسي الخارجية محدودة في مجملها إلا أنها لا تخلو من رسائل مركزة تجسد النفوذ الروسي المتصاعد في الشرق الأوسط وخاصة في ملفي سوريا وفلسطين، مقابل تراجع الدور الأمريكي إلى حد كبير، حسب متابعين للملفات الملتهبة في منطقة أصبح الهدوء والاستقرار أحد أهدافها التي ربما تكون صعبة المنال.