مساءلة ترامب.. لعبة الهيمنة بين "النواب" و"الشيوخ"
أنظار العالم تتجه إلى الولايات المتحدة الأمريكية مع قرار مجلس النواب بدء إجراءات عزل الرئيس الحالي دونالد ترامب من منصبه.
لم يشهد التاريخ الأمريكي في أي من محطاته عزل رئيس من منصبه كنتيجة مباشرة للمساءلة، لكن ومع قرار مجلس النواب بدء إجراءات عزل الرئيس الحالي دونالد ترامب من منصبه، تتجه أنظار العالم بأسره إلى الولايات المتحدة، ترقبا لما ستتمخض عنه الأيام المقبلة.
- ترامب للديمقراطيين: سمحت بنشر محادثتي الهاتفية مع الرئيس الأوكراني
- بيلوسي تعلن فتح تحقيق رسمي بهدف عزل ترامب
لكن، ورغم ما يبدو عليه المسار القانوني لمثل هذه الإجراءات من تعقيد، إلا أنه من المؤكد أن الكرة ستكون بملعب مجلس الشيوخ، والذي يهيمن عليه الجمهوريون، ما يعني أن الأخير قادر على إجهاض مساعي الديمقراطيين المهيمنين على مجلس النواب، وإسقاط التهم مباشرة في حال المساءلة.
والثلاثاء، بدأ مجلس النواب الأمريكي تحقيقا رسميا بهدف مساءلة ترامب في أعقاب تقارير أنه شجع زعيم دولة أجنبية على إجراء تحقيق قد يضر بأحد خصومه السياسيين.
وقالت رئيسة المجلس نانسي بيلوسي: "إن إجراءات المحاسبة تهدف لعزل ترامب، على خلفية قضية مرتبطة باتصال بينه ورئيس أوكرانيا فولوديمير زيلينسكي من أجل حث الأخير على فتح تحقيق مع نجل نائبه السابق جو بايدن".
فهل يغادر ترامب البيت الأبيض مبكرا وقبل انتهاء ولايته أم أن الديمقراطيين، ورغم هيمنتهم على مجلس النواب، لن يتمكنوا من ذلك، خصوصا أن الاتهامات الموجهة إليه من المجلس تظل غير قابلة للتفعيل إلا في حال إدانته من مجلس الشيوخ؟
ملف تتقاطع عنده المعطيات التقنية مع السياسية، ما يخلق ضبابية تفرض العودة إلى التجربة الأمريكية في هذا الخصوص، والطريقة التي تتم بها المساءلة بهذا البلد.
ترامب: "تحرش بالرئاسة"
رد الرئيس الأمريكي على قرار مجلس النواب ببدء إجراءات عزله من منصبه جاء سريعا، معتبرا أن "ما يفعله الديمقراطيون تحرش بالرئاسة".
وأضاف عبر "تويتر": "هم (الديمقراطيون) لم يطلعوا أبدا على نص المكالمة الهاتفية (بينه ونظيره الأوكراني)، ما يفعلونه مطاردة نتنة وتحرش بالرئاسة".
ولقطع الطريق على الديمقراطيين، قال ترامب المنتمي للحزب الجمهوري، "إنه سمح بنشر فحوى المحادثة الهاتفية التي أجراها مع نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، والتي يتهمه خصومه الديمقراطيون بأنه ارتكب خلالها تجاوزات".
وقال في تغريدة عبر "تويتر": "أنا الآن في الأمم المتحدة حيث أمثل بلدنا، ولكني سمحت بأن ينشر، الأربعاء، المحضر الكامل لمحادثتي الهاتفية مع الرئيس الأوكراني" الذي يقول الديمقراطيون إنه مارس عليه ضغوطا للتحقيق في أعمال يديرها نجل بايدن بأوكرانيا".
وبايدن هو أحد المرشحين الديمقراطيين الأوفر حظا لمنافسة ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية عام 2020.
وفي تغريدة أخرى، كتب ترامب عبر "تويتر" يقول "إن المكالمة الهاتفية كانت ودية وملائمة تماما"، مؤكدا أنه لم يمارس "أي ضغط" على زيلينسكي، واصفا تحقيق مجلس النواب بأنه "حملة اضطهاد تافهة".
المساءلة.. حماية لمنصب الرئيس
هي آلية استحدثها المشرعون بالولايات المتحدة ممن انتابهم الخوف من احتمال إساءة استغلال صلاحيات الرئيس، ولذلك أدرجوا في الدستور الأمريكي إجراءات لعزل الرئيس من منصبه.
غير أن المشرعين حددوا الأسباب التي من شأنها أن تقود للعزل، وهي إما للخيانة أو تقاضي الرشوة أو لارتكاب أي جريمة كبرى أخرى أو جنحة، فيما تركوا معاني الخيانة فضفاضة، ما يجعل إساءة استغلال ثقة الشعب أحد أشكالها، وقد يفتحها على تفسيرات أخرى تدخل ضمن اجتهادات المشرعين.
لكن الثابت هو أن مساءلة الرئيس لا تتطلب أن يخالف قانونا جنائيا بعينه.
المساءلة والعزل
المساءلة لا تعني آليا العزل، بل تكتفي بمعناها الاصطلاحي المباشر، وهي توجيه مجلس النواب اتهامات للرئيس، فيما يشبه إصدار المدعي العام لقائمة اتهامات بحق مشتبه به في قضية جنائية.
والمساءلة دون إدانة لا تقود البتة نحو عزل الرئيس، بل يمكن مساءلته ثم يستمر بمهامه دون أي تداعيات تذكر.
أما طريقة بدء التحقيق في المساءلة، فهي أيضا موضع جدل ونقاش، حيث يجادل دوج كولينز أبرز الأعضاء الجمهوريين في لجنة الشؤون القضائية بأن تحقيق المساءلة الرسمي لا يبدأ ما لم يشارك كل أعضاء مجلس النواب في التصويت على إصدار التفويض به، فيما يرى نواب ديمقراطيون أن مثل هذا التصويت غير ضروري.
وللتأكيد على أن القرار الأخير يظل بيد أعضاء مجلس الشيوخ، فإن العملية تجري كالتالي: في حال وافقت أغلبية بسيطة من أعضاء مجلس النواب البالغ عددهم 435 عضوا على توجيه اتهامات للرئيس فيما يطلق عليه "بنود المساءلة"، تنتقل العملية إلى مجلس الشيوخ الذي يجري محاكمة لتحديد ما إن كان الرئيس مذنبا.
وفي مثل هذه المحاكمة، يقوم أعضاء مجلس النواب بدور الادعاء وأعضاء مجلس الشيوخ بدور المحلفين، ويرأس جلسات المحاكمة كبير القضاة في المحكمة العليا الأمريكية.
وتتطلب إدانة الرئيس وعزله موافقة مجلس الشيوخ المؤلف من 100 عضو بأغلبية الثلثين، فيما لا يشترط أن يبرهن النواب على المخالفات بشكل لا لبس فيه.
من يخلف ترامب في حال عزله؟
مع أن الأمر مستبعد، لكن في حال عزل ترامب، يخلفه نائبه مايك بنس الذي يتولى الرئاسة للفترة المتبقية من ولاية ترامب والتي تنتهي في 20 يناير/كانون الثاني 2021.
الكونجرس في أرقام
يتكون الكونجرس الأمريكي من مجلسي النواب والشيوخ، ويضم الأول 235 نائبا ديمقراطيا و199 نائبا من الحزب الجمهوري وعضوا واحدا مستقلا، ما يعني أنه يمكن للديمقراطيين أن يوجهوا الاتهام للرئيس دون تأييد من الجمهوريين.
وفي 1998، عندما كانت الأغلبية في مجلس النواب للجمهوريين صوت المجلس بالموافقة على مساءلة الرئيس الديمقراطي بيل كلينتون.
أما مجلس الشيوخ، فيحتل الجمهوريون 53 مقعدا من مقاعده والديمقراطيون 45 مقعدا بالإضافة إلى عضوين مستقلين يصوتان في العادة مع الديمقراطيين.
وتتطلب إدانة الرئيس وعزله موافقة 67 عضوا، وهذا يعني أن عزل ترامب من منصبه في حال مساءلته يتطلب موافقة 20 عضوا جمهوريا بالإضافة إلى جميع الأعضاء الديمقراطيين والعضوين المستقلين.
لكن اللافت أيضا هو أن الجمهوريين يمكن أن يسقطوا التهم مباشرة دون حتى النظر في الأدلة المقدمة من الديمقراطيين، وهذا ما يدعم طرح عدم عزل ترامب، في خضم اختلال موازين القوى بين الثقلين الديمقراطي والجمهوري بالمجلسين.