أعمال العنف الأخيرة أظهرت كارثة حقيقيّة في الداخل الأمريكيّ وهي أن هناك من يؤجِّج نيران الصراع من داخل الحزب الديمقراطيّ
هل يواجه الرئيس دونالد ترامب قوى ظلاميّة تعمل داخل البلاد لإفقاده فرصة الفوز برئاسة ثانية، والبقاء في البيت الأبيض لأربع سنوات أخرى؟
مؤكّد أنّ هناك من لا يحب ترامب، حتى قبل أن يدلف إلى البيت الأبيض، الأمر الذي اتّضح جليّا من خلال إرهاصات ما عُرِف باسم "أوباما – غيت"، حيث تشير المعلومات إلى أن إدارة الرئيس السابق باراك أوباما عمدت إلى استغلال مقدراتها الحكوميّة لإفشاله وإنجاح هيلاري منافسته، ومع ذلك فشل المشروع.
الآن هناك من يسعى جاهدا لإعادة الكرّة مرّة جديدة، لكن "قوى الظلام" التي يواجهها ترامب، والثورة المضادّة التي تشكّلت خلال السنوات الثلاث الماضية لم تعد قاصرة على الأمريكيّين فقط، وهذه هي الإشكالية، إذ باتت أطراف خارجيّة لاعبا رئيسا سيّئ السمعة في هذا المضمار.
قطر عمدت إلى الرشوة تارة وإلى الأموال السوداء تارة أخرى، وإلى التبرّعات المشبوهة تارة ثالثة بهدف واحد، وهو تغيير الطبيعة المزاجيّة للناخب الأمريكي.
في مقدمة هؤلاء اللاعبين تأتي قطر، والتي لم تنفكّ تنفق الملايين سرّا وجهرا لتجذير جماعات الإسلام السياسيّ الأصوليّ في داخل البلاد، من أجل مجابهة ترامب العدو الإيديولوجيّ الأوّل بالنسبة لها.
قطر عمدت إلى الرشوة تارة وإلى الأموال السوداء تارة أخرى، وإلى التبرّعات المشبوهة تارة ثالثة بهدف واحد، وهو تغيير الطبيعة المزاجيّة للناخب الأمريكيّ، وقد وجدت أموالها غير النظيفة طريقها أيضا إلى وسائل إعلام أمريكيّة، ما جعل معركة الرئاسة هذه المرة معركة غير شريفة بالمرّة، ومعها يُسائل المرء: "كيف وصلت الولايات المتحدة الأمريكيّة إلى هذا الدرك الأسفل من ديمقراطيّة تُباع على الأرصفة؟
لم يقتصر المال القطريّ على المناحي المتقدّمة بعد، بل ذهب بطريق أو بآخر إلى شراء ذمم مسؤولين في وزارات أمريكية لا سيّما الخارجيّة التي ترك فيها باراك أوباما وهيلاري كلينتون أركانا قويّة تميل إلى دعم تلك الجماعة الإرهابيّة، وهي قصة طويلة وضاربة جذورها في أعماق المشهد الأمريكي منذ خمسينات القرن الماضي.
هل استطاع الإسلامويّون ضفر جهودهم مع اليسار الراديكاليّ من أجل إسقاط ترامب؟
أغلب الظنّ أن ذلك كذلك ويمكنك أن تضيف إلى هؤلاء وأولئك جماعات بعينها من الأمريكيّين أصحاب الأصول الأفريقيّة ولا نقول كلهم.
هل في الأمر مؤامرة ما تجاه الرئيس ترامب؟
من الواضح أن باراك أوباما يحمل نقمة شديدة على ترامب، ومن غير الواضح للكثيرين أن أوباما يسعى إلى إحداث تغيُّر مفاهيميّ جذريّ في الداخل الأمريكي، مدفوعا برغبة عرقيّة دفينة، تختبئ وتتخفّى تحت جنح الظلام، وتتسرّب وتنتشر من خلال الجماعات الإيديولوجيّة التي يتعهّدها ويرعاها في جامعات أمريكيّة بعينها، وضمن مؤسسة أطلقها تحت غطاء العمل الأهليّ في الداخل الأمريكيّ.
ليس سرّا القول إن أوباما يحمل حقدا دفينا تجاه الرئيس ترامب، فقد استطاع الأخير وضع العصا في دولايب العديد من المشروعات التي أرسى أوباما جذورها خارج البلاد، لا سيّما في منطقة الشرق الأوسط، وما يحدث من الآغا "العثمانلي" الممتلئ بالأحقاد والثارات التاريخيّة من العرب وبلادهم، ليس إلا نتاجا طبيعيّا لتسهيلات أوباما، والذي أوهمه ذات مرّة بأنّ هناك فرصة لإعادة نشوء وارتقاء إمبراطوريّته على أنقاض وجثث العرب من خلال الربيع العربيّ الموهوم والمزعوم والذي لم يخلف وراءه سوى المرار والدمار والخراب.
تبدو اللحظة الآنية مؤلمة على صعيد تماسك النسيج المجتمعيّ الأمريكيّ، وربّما هذا ما لمح إليه الرئيس ترامب في خطابه الأخير في عيد الاستقلال حين أشار إلى المتظاهرين الذين حطّموا تماثيل قادة أمريكا في الاحتجاجات الأخيرة المناهضة للعنصريّة، قائلا: "هدفهم هو التخريب".
الضفيرة التي نحن بشأنها منسوجة من يسار راديكاليّ يودّ لو أعاد عقارب الساعة إلى الوراء، وفارق شاسع بين رؤية اشتراكيّة ديمقراطيّة اجتماعيّة كما الحال في بعض الأنظمة الأوروبية مثل ألمانيا تحديدا، وبين إثارة ونشر الفوضى من منطلقات ديماغوجيّة تتلاعب بمشاعر الشارع الأمريكيّ من غير تعقُّل أو مراعاة صالح ومصالح الخير العام.
أظهرت أعمال العنف الأخيرة كارثة حقيقيّة في الداخل الأمريكيّ، وهي أن هناك من يؤجِّج نيران الصراع من داخل الحزب الديمقراطيّ، ويُخَيَّل إليهم أنهم بهذا يتخلّصون من الرئيس ترامب، فإذا بهم يمضون بالبلاد برمّتها إلى لُجَّة من لجج الجحيم عبر التعاون غير المثمر أو البَنَّاء مع الماركسيّين، والفوضويّين، ومثيري الشغب، والمدانين بأعمال النهب والسلب.
الذين تابعوا تظاهرات الشهر الماضي لفت انتباههم أن هناك من يحمل الأحجار لتشجيع أعمال العنف، وهناك من يقوم بأعمال الطبابة وسط المتظاهرين، عطفا على قيام البعض من الخافين جدّا عن الأعين بتوكيل محامين للدفاع عمّن يتمّ القبض عليهم خلال المسيرات غير الخلاقة، ما يعني أن هناك أصحاب رؤوس أموال لا حصر لها يقفون وراء إذكاء نيران الثورة لإسقاط ترامب.
الأمر لم يتوقّف عند الدهماء والعوام، بل وصل ببعض "الإنتلجنسيا الأمريكية" من نوعيّة "سوزان رايس" مستشارة الأمن القوميّ الأمريكيّ في عهد باراك أوباما لأنْ تنشر مقالا في النيويورك تايمز تهاجم فيه الرئيس ترامب وتستخدم قصّة صمته عن دعم روسيا لطالبان وقتلهم للجنود الأمريكيّين، تلك التي اعترفت أجهزة الاستخبارات الأمريكيّة لاحقا أنّها غير حقيقيّة ولا يوجد دليل واحد يدعمها.
لا يواجه ترامب ومن أسف شديد الأمريكيّين ولا الإسلامويّين فحسب، بل هناك من يودّ إزاحته من منصبه من خارج بلاده وفي المقدّم من هؤلاء، الصين، التي واجهها حتى قبل دخوله البيت الأبيض، ومحاولته إعادة التوازن في التعاملات التجاريّة بين بكين وواشطن.
من حظّ الرئيس ترامب العسر أن يطفو على السطح وباء كورونا، والذي لم يقطع أحد بعدُ هل هو وباء طبيعيّ أم صناعيّ، وكيف له أن يصل إلى الولايات المتحدة الأمريكيّة بمثل هذه القوّة؟.
لكن، هل يعني ذلك أن حظوظ ترامب في الفوز قد انتهت؟
مخطئٌ مَن يظنّ على هذا النحو حتّى لو أظهرت استطلاعات الرأي تقدّم بايدن، فالنظام الانتخابيّ الأمريكيّ يأخذ في الاعتبار حجم الولاية وعددها، ما يمنح مرشّحين فرصة اقتناص الفوز بالرئاسة رغم الخسارة من حيث عدد الأصوات وهو ما حدث مع ترامب في 2016 وللحديث بقيّة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة