أربعة عقود منذ نهاية السبعينيات وحتّى الساعة عاثت فيها إيران فسادا في أكثر من 40 دولة، تتابع معارضيها، تغتال من يقدر لها أن تغتاله
قبل أسبوعين كانت الخارجيّة الأمريكيّة تُصدر تقريرا خاصّا عن علاقة النظام الإيراني بالإرهاب، وهو أقرب ما يكون إلى جَرْدة الحساب عبر العقود الأربعة السابقة من عمر الثورة الإيرانيّة الدوجمائيّة غير المحمودة، والتي تسبَّبتْ في الكثير من الخسائر المادّيّة والمعنويّة في الإقليم والعالم على حد سواء.
ماذا عن التقرير بشيء من التفصيل، والأهم ما الذي يشي عنه صدور هذا التقرير في هذا التوقيت الذي تحتدم فيه المواجهة بين واشنطن وطهران، وقبل أربعة أشهر تقريبا من موعد تجديد العقوبات على طهران في أكتوبر/ تشرين أول المقبل؟
بداية، ينبغي الإشارة إلى أنّ الأساس الأيديولوجيّ للثورة الإيرانية كان ولا يزال هو تصدير الثورة إلى العالم كلِّه، أمّا الإقليم فلا ينسى المرء تصريحات الخميني المرشد الأوّل للثورة والأب الروحيّ لها، والخاصّة بحلمه أن يرى رايات الثورة ترتفع فوق العواصم العربيّة، ذاك الحلم الذي عملت إيران على تحقيقه ولا تزال من خلال أذرعها الأخطبوطيّة ووكلائها في المنطقة حتّى الساعة.
أربعة عقود منذ نهاية السبعينات وحتّى الساعة عاثت فيها إيران فسادا في أكثر من أربعين دولة، تتابع معارضيها، تغتال من يقدر لها أن تغتاله، وتقمع بالوعيد والتهديد من لا تطاله يد الغدر.
طوال أربعين سنة شنّ نظامُ الملالي العشرات من الهجمات بالقنّاصة تارة، وبالقنابل تارة أخرى، الأمر الذي أدّى إلى حصيلةٍ بلغت نحو 360 قتيلا، وتشويه المئات من الرافضين لغَيِّها السادر في الداخل، ومشروعها الأصوليّ الظلاميّ.
تقرير الخارجيّة الأمريكية يؤكّد على أن هناك مثلثا للإرهاب في داخل النظام الإيرانيّ، أضلاعُه هي الحرس الثوريّ، وفَيْلَق القدس في القلب منه، ووزارة الاستخبارات والأمن الوطنيّ، والوكلاء في الخارج لا سيّما حزب الله، والذي باتت أطرافه تتمدّد خارج إيران لتصل إلى أوروبّا وأمريكا الشمالية، ناهيك عن أمريكا الجنوبيّة معا.
الكارثة التي يميط التقريرُ عنها اللثامّ تتمثّل في استخدام إيران لدبلوماسيّيها في الخارج في ارتكاب أعمال الإرهاب، وهذا ما يتّضح جليّا من خلال مذكّرات التوقيف وتحقيقات القضاء والشرطة وأجهزة المخابرات المختلفة حول العالم وشهود العيان الذين يقدر لهم التواجد في مسارح الجريمة.
كانت آخر الفضائح الإيرانيّة في هذا الشأن، تلك التي جرت في فرنسا من خلال الدبلوماسيّ الإيرانيّ في بلجيكا، "أسد الله أسدي"، والذي تمّ تكليفه بتفجير مؤتمر للمعارضة الإيرانيّة في صيف 2018، وكادت أن تُحدِث مذبحة بشريّة، لولا يقظة أجهزة الأمن والاستخبارات الغربيّة التي قدر لها إحباط المخطّط والقبض على الإيرانيّ الذي لا يزال قابعا في سجون أوروبا حتّى الساعة.
هل يتوقّف إرهاب نظام الملالي عند حدود الإيرانيّين المعارضين فقط، أم يتجاوزه إلى غيرهم من الذين يرفضون طريقة التعاطي الإيرانيّة مع العالم سياسيّا وعسكريّا، وبخاصّة من أصحاب الرأي والقلم، لا أصحاب السلاح والرصاص؟
أربعة عقود منذ نهاية السبعينيات وحتّى الساعة عاثت فيها إيران فسادا في أكثر من أربعين دولة، تتابع معارضيها، تغتال من يقدر لها أن تغتاله
الشاهد أنّه في وقت سابق من العام الجاري 2020 هدّدت المخابرات الإيرانيّة باختطاف صحافيين من قناة "إيران إنترناشيونال"، ومقرّها لندن، ونقلهم قسرا إلى إيران، ما يعني أن النظام الحاكم في طهران لا يقيم وزنا لسيادة الدول الأخرى ولا يأبه للقوانين والشرائع الدوليّة، وأن العنف والإرهاب هما دَيْدَنُه في الحال والاستقبال.
لم يكن صحافيُّو القناة المتقدّمة فقط هم مَن تعرّضوا للخطر الإيرانيّ أو لا يزالون عُرْضة له حتّى وقت كتابة هذه السطور، ففي ثنايا التقرير الأخير، والذي يُعَدّ وثيقة اتّهام دامغة ودوليّة لإيران – الملالي، نجد الحديث عن عقوبات مفروضة من قبل الولايات المتّحدة على وزير الاستخبارات الإيرانيّ السابق "علي فلاحيان"، والذي تُظهِر كثيرٌ من المعلومات الاستخباريّة أنّه كان متورطا في انتهاكاتٍ لحقوق الإنسان عندما كان وزيرا للاستخبارات والأمن.
الأيادي الإرهابيّة الإيرانيّة كما أشرنا لا تسعى لأن تطال المعارضين السياسيّين الإيرانيّين فحسب، بل تمتدّ كذلك إلى قادة ونشطاء الأقليّات العرقيّة والدينيّة، أولئك الذين يفضحون أعمال طهران الشرّيرة صباحَ مساءَ كلّ يوم في الإعلام الأوربّيّ بنوع خاصّ، والأمريكيّ بوجه عام.
أبعد من ذلك مرّة أخرى، فإن أطراف الحرس الثوريّ الإيرانيّ، وعصابات الاستخبارات الإيرانيّة باتت تشكّل خطرا متزايدا على النشطاء السياسيّين المعارضين لإيران من غير الإيرانيّين، وبالقدر عينه هدّدت نشطاء المجتمع المدنيّ والصحافيّين غير الإيرانيّين في أكثر من دولة وهي مصرّة على إلجام أيّ صوت يطالب بوقف مسيرة الاستبداد الداخليّة، وهناك في محاكم سويسرا وألمانيا بنوع خاصّ حالاتٌ وقضايا جَرَتْ في أمرها تحقيقاتٌ جنائيّةٌ أدّت إلى إصدار أوامر باعتقال "فلاحيان" أكثر من مرّة، بوصفه المسؤول الأول عن إرهاب إيران الخارجيّ.
التقرير الأمريكي الأخير الذي جاء في شكل وثيقة عنوانها "سرد الأحداث"، يذكّر العالم بوقائع محدّدة يمكن للناظر من خلالها القطع بأن إيران هي ماكينة الشرّ والإرهاب حول العالم، من يوم احتجزت الرهائن الأمريكيّين إلى ساعتنا هذه، حيث هناك الكثير من القضايا المتورّطة إيران فيها لا سيّما في الداخل الأمريكيّ وهو ما سنأتي عليه لاحقا.
من بين تلك القضايا الهجمات التي أدّتْ إلى اغتيال زعيم المعارضة الكرديّة الإيرانيّة "صادق شرفكندي"، وثلاثة آخرين في مطعم "ميكونوس" في برلين عام 1992، أما العمل الإرهابيّ الأشرس والأخطر فكان في الأرجنتين عام 1994 حين فَجَّرتْ أيادي الإرهاب الإيراني مبنى "آميان" الخاص بالجالية اليهودية في العاصمة "بوينس آيرس".
لا يتوقّف إرهاب إيران الاستخباريّ والدبلوماسيّ عند حدود الاغتيالات الفرديّة أو التخطيط لنظيرتها الجماعيّة فقط، إذ إنّ إرهاب إيران، لا سيّما تحت الغطاء الدبلوماسيّ يعمل ليلَ نهار على تطويع حقائب طهران الدبلوماسيّة لخدمة العصابات الإجراميّة، تلك التي تعمل في تجارة المخدّرات من جهة، وغسيل الأموال وتهريبها من جهة ثانية، عطفا على الاتّجار في كلّ ما هو مخالف وممنوع، ووصل الأمر في بعض الحالات إلى محاولات تهريب البشر في أمريكا اللاتينيّة، ولعله مما يفضح الممارسات الإيرانيّة أنه عندما يُضْبَط موظّفوها وهم يراقبون الأهداف المراد توجيه الرصاص إليها، أو الهجوم عليها بالمتفجّرات، أو حين يحاولون الهروب من مسرح الجريمة، تكذب إيران باستمرار حول تورُّطها في تلك العمليّات وإن بقيتْ الأدلّة الثبوتيّة قائمة ضدّها في كل الأوقات.
لم يكن تقرير الخارجية الأمريكيّة هو ورقة الاتّهام الوحيدة لإرهاب إيران الخارجيّ، ففي مارس/ آذار الماضي دعا أربعةٌ من المقرّرين الخاصّين للأمم المتّحدة إلى وقف التهديدات بالقتل ضدّ صحافيّين يعملون خارج إيران لا سيما العاملين الفاعلين والنشطاء في القنوات والإذاعات التي تبثّ باللغة الفارسيّة، والتي تصل إلى جماعات الإيرانيّين المهاجرين في المهجر.
الخلاصة: إرهاب إيران ورقتها الأخيرة، صرخة الطائر الذبيح.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة