ما يؤكد نيّة أردوغان استخدام "الحرّاس الليليين" لأهداف شخصية بحتة هو منحهم امتيازات أخرى توازي صلاحيات رجال الأمن والشرطة
ما يحدث في تركيا اليوم لم يتكرر في السابق في أي دولةٍ أخرى، ففي كل دول العالم هناك أجهزة أمنية وشرطة وجيش باستثناء تلك التي تشهد حروباً، حيث يسمح انهيار المنظومة الأمنية فيها لجيوش عدّة بالظهور.
لكن تركيا مستقرة أمنياً بالمقارنة مع تلك الدول ولا تحتاج لشرطة أو جيشٍ جديد، ورغم ذلك أقرّ البرلمان التركي فجر الخميس الماضي، مشروع قانونٍ يمنح ما يُعرف بـ "حرّاس الليل" صلاحياتٍ واسعة.
و"حرّاس الليل" هم مجموعات مؤيدة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان وأعضاء في حزبه "العدالة والتنمية" الحاكم، وسيدخل القانون الذي منحهم صلاحياتٍ إضافية مؤخراً، حيّز التنفيذ بعد تصديق أردوغان عليه ومن ثم نشره في الجريدة الرسمية، الأمر الذي ينذر ببدء حملة أمنية ضخمة وجديدة ضد عموم المعارضين ومنتقدي حكومته داخل البلاد في الفترة المقبلة.
فلا أهداف أخرى لأردوغان من وراء منح أولئك "الحرّاس" تلك الصلاحيات المطلقة سوى قمع المعارضة أكثر فأكثر خاصة وأن جميعهم -أي الحراس- ينتمون لحزبه الحاكم فقط. إذاً، فقد انتهى الآن، الجدل الكبير والعديم الفائدة المستمر منذ يناير/كانون الثاني الماضي بين حزب أردوغان وأحزاب المعارضة كالشعب الجمهوري، الشعوب الديمقراطي و"الخير" الذي يُعرف أيضاً بالحزب "الجيد" بعد إعلان البرلمان عن موافقته على منح "الحرّاس الليليين" صلاحيات كبيرة من شأنها أن تحوّل مجموعاتهم لقوى أمنية توازي قوات الدرك الوطني والشرطة وهو ما أراده أردوغان رغم رفض الأحزاب المعارضة الثلاثة لذلك.
ومع أن منظمات حقوقية دولية بارزة منها "هيومن رايتس ووتش"، اعتبرت أن قانون "حراس الليل" سيقيد من حرية المجتمع التركي وحذّرت أنقرة من اللجوء إلى تصديقه في البرلمان واعتماده، لكن هذا حصل بالفعل وسيدخل القانون حيّز التنفيذ قريباً، وقد سبقه طرد واعتقال المئات من رجال الأمن والشرطة الأسبوع الماضي بذريعة مشاركتهم في محاولة الانقلاب الفاشل على حكم أردوغان منتصف يوليو/تموز من العام 2016، ما يعني أن أردوغان سيواصل حملته ضد رجال الأمن والشرطة ليعتمد كلياً بعد ذلك على الحراس الليليين لاسيما وأن بعضهم عُيّن في وقتٍ سابق في بعض الدوائر الأمنية الحسّاسة.
أردوغان سيواصل حملته ضد رجال الأمن والشرطة ليعتمد كلياً بعد ذلك على الحراس الليليين لاسيما وأن بعضهم عُيّن في وقتٍ سابق في بعض الدوائر الأمنية الحسّاسة.
ولمن لا يعرف الصلاحيات الممنوحة للحراس الليليين، فهي كثيرة ولا تختلف على الإطلاق عن صلاحيات الشرطة وفي بعض الأحيان قد تزيد عنها، فيمكن لهم على سبيل المثال، مراقبة الأشخاص في الأسواق والشوارع والساحات العامة، ويمكنهم كذلك طلب بطاقاتهم التعريفية وهم مسلّحون دائماً ويمكنهم استخدام السلاح وإطلاق الرصاص الحي وتسليم الأشخاص إلى مخافر أو دوريات الشرطة.
هي صلاحيات لم يكونوا يتمتعون بها قبل التعديلات التي أقرّها البرلمان أخيراً. وفي هذه الصلاحيات كلّها، ما لا يترك الشكّ أن "حرّاس الليل" هم عناصر شرطة جديدة، لكن نقطة الاختلاف الأساسية حولهم بين المعارضة وحزب أردوغان، هي أن كلّ أولئك الحرّاس يجب أن يكونوا حصراً أعضاء في حزب الأخير، وبالتالي سيكونون أداته ضد المجتمع التركي.
وما يؤكد نيّة أردوغان استخدام "الحرّاس الليليين" لأهداف شخصية بحتة هو إصراره على تسليحهم ومنحهم امتيازات أخرى توازي صلاحيات رجال الأمن والشرطة، رغم أنه في تركيا هناك درك وطني وقوى أمنية مختلفة بما فيها الشرطة والنجدة وكذلك هناك جيش يمكن للقوات الأخرى الاستعانة به عند الحاجة، لكن كل هذه القوات لا يثق بها أردوغان لوجود عناصر منها تنتمي لأحزابٍ معارضة، لذا بالنسبة إليه فإن "حراس الليل" هم ضرورة لتحقيق أهدافه بالقضاء على المعارضة وإسكاتها، للحدّ من أنشطتها وتأثيرها بقوّة السلاح.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة