إن النظام الرئاسي الذي لاقى رفضا كبيرا من المعارضة في البلاد فُرِض على عموم الأتراك كسلطة أمر واقع في عام 2018
استخدّم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان طرقا كثيرة للنيل من خصومه السياسيين خاصة مع سيطّرته تدريجياً على كلّ شاردة وواردة في تركيا بعد إلغائه النظام البرلماني قبل نحو عامين ودخول النظام الرئاسي الّذي منحه صلاحياتٍ مطلقة وواسعة حيّز التنفيذ عقب ذلك.
ولم يكن سيتمكن أردوغان من تغيير طريقة الحكم في تركيا وتحوّيلها من نظامٍ برلماني إلى آخرٍ رئاسي لولا استغلاله الكبير لمحاولة الانقلاب المزعومة على حكمه منتصف عام 2016، فقد قمع بعد ذلك عدداً كبيراً من معارضيه ومنتقديه من قادة الأحزاب، البرلمانيين، الأكاديميين، رجال الأعمال، المدوّنين، المدافعين عن حقوق الإنسان، الصحفيين وغيرهم، بحجة الوقوف وراء محاولة الانقلاب وزجّ بهم في السجون.
إن تلك الاعتقالات أدت لغياب وسائل إعلامٍ حرّة في تركيا لا سيما مع إغلاق أردوغان لعددٍ كبيرٍ منها بعد محاولة الانقلاب، كما أنها جعلت من البلاد عالماً مغلقاً لا يخرج منه سوى ما يريد أردوغان أن يكشفه للآخرين، وبالتالي تحوّلت تركيا لسجنٍ كبير يقبع فيه معارضو أردوغان في حين أن الأخير تمكن من توطيد النظام الرئاسي مع صلاحياته المطلقة والواسعة.
إن النظام الرئاسي الّذي لاقى رفضاً كبيراً من المعارضة في البلاد كأحزاب "الشعب الجمهوري"، "الشعوب الديمقراطي" و"الخير"، فُرِض على عموم الأتراك كسلطة أمر واقع في عام 2018.إن النظام الرئاسي الّذي لاقى رفضاً كبيراً من المعارضة في البلاد كأحزاب "الشعب الجمهوري"، "الشعوب الديمقراطي" و"الخير"، فُرِض على عموم الأتراك كسلطة أمر واقع في عام 2018.
ومنذ ذلك الحين ازدادت الضغوط على الأحزاب المعارضة خاصة "الشعوب الديمقراطي" و"الشعب الجمهوري"، فقادة الحزب الأول في السجون ومعهم عشرات من نوابه ورؤساء بلدياته بعد عزلهم، بينما الحزب الثاني فحاول أردوغان أن ينتزع منه بلدية إسطنبول بعد فوزه فيها مرتين، كما أنه عزل اثنين من رؤساء بلدياته أيضاً واعتقل واحداً منهم.
ومع قمع أردوغان معارضيه وأحزابهم وطّد من علاقة حزبه "العدالة والتنمية" الّذي يتزعّمه مع حليفه في حزب "الحركة القومية" الّذي يقوده دولت بهجلي، الأمر الّذي أنهى دور البرلمان التركي، فالحزبان الحليفان باتا يملكان أغلبية برلمانية وصار بإمكانهما تمرير أي تغيير يودان إحداثه في البلاد وكان آخرها العفو الّذي أقرّه البرلمان الّذي يقضي بإطلاق سراح نحو 100 ألف سجين في البلاد، نتيجة تفشي فيروس كورونا جلّهم من تجّار المخدّرات، زعماء المافيات، القتلة، اللصوص وغيرهم من مرتكبي جرائم جنائية بشعة كاغتصاب الأطفال، مستثنياً معارضي أردوغان ومنتقديه.
وبالتالي كلّ ما يجري في تركيا اليوم يؤكد أن من يقودها هو رجل واحد وهو أردوغان ويساعده في بعض الأحيان حليفه بهجلي الّذي يوافق نوابه في البرلمان على أي تغييرٍ يطرحه الحزب الحاكم وهو أمر أغضب كثيرين في الدائرة المقرّبة من أردوغان نفسه ومنهم رئيس الوزراء التركي الأسبق أحمد داود أوغلو ونائبه علي باباجان. وكلاهما استقال من الحزب وشكلا بمفردهما حزبين جديدين.
واليوم يسعى أردوغان لتغيير قانون الانتخابات الرئاسية خاصة أن رقعة معارضته اتسعت ولم تتوقف لدى أحزاب "الشعب الجمهوري"، "الشعوب الديمقراطي" و"الخير"، فقد انضم لها حزبا داود أوغلو وباباجان وهما أيضاً يطالبان بإلغاء النظام الرئاسي والعودة لنظام برلماني قوي، وهو أمر يرفضه أردوغان بشدّة.
وعليه فإن محاولات أردوغان لإجراء تغييرٍ في قانون الانتخابات الرئاسية في بلاده يؤكد أن شعبيته تراجعت بالفعل خاصة أن التغيير الّذي يطالب فيه يسمح بموجبه للمرشح بالفوز بمجرّد حصوله على أكبر عدد من الأصوات بعد أن كان الفوز في الرئاسة التركية يقضي بضرورة الحصول على أكثر من نصف الأصوات (50+1).
كما أن من ضمن التغييرات التي يطالب بها أردوغان هو إجراء الانتخابات على جولةٍ واحدة، وإذا تمكّن من إحداث هذا التغيير فإن الفائز في الرئاسة سيكون المرشح الحاصل على أكبر عددٍ من الأصوات وليس الّذي يحصل على أكثر من نصفها كما كانت سابقاً.
لذلك، فإن سعي أردوغان الحثيث وراء هذه التغييرات التي يطالب بها منذ أكثر من عام قبل أن يعاود المطالبة بها مجدداً منذ أيام، يعني أنه يريد أن يبقى رئيساً لدورة رئاسية مقبلة لا سيما أنه يعرف جيداً أن تشتت أحزاب المعارضة وعدم وجود مرشح واحد منهم أمامه يزيد من فرصه بالفوز والحصول على أكبر نسبة من الأصوات.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة