أبهة ملكية ورسائل سياسية.. بريطانيا تراهن على «سحر القصور» لإقناع ترامب

في قلعة وندسور العريقة غرب لندن، يسابق مئات الموظفين والخدم الزمن لإتمام التحضيرات الدقيقة قبل استقبال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في ثاني زيارة رسمية له إلى بريطانيا.
التحضيرات تنوعت ما بين الطاولة الملكية المصنوعة من خشب الماهوغاني بطول خمسين مترا، وتلميع حوافر الخيول التي ستجر العربات، فيما يتدرّب حرس الشرف على خطوات محسوبة بدقة لتقديم عرض بروتوكولي لا تشوبه شائبة.
تهدف كل هذه التفاصيل، وفقا لوكالة أسوشيتدبرس، إلى إظهار الملك تشارلز الثالث في أبهى صورة وهو يستقبل أحد أبرز قادة العالم.
الزيارة ليست مجرد مناسبة احتفالية؛ بل تحمل أبعادًا سياسية واضحة. فبريطانيا، التي لطالما استخدمت العائلة المالكة كأداة من أدوات "القوة الناعمة"، تراهن على استثمار سحر البروتوكول الملكي لتعزيز علاقاتها مع واشنطن في زمن تفرض فيه سياسات "أمريكا أولا" تحديات على الشراكة التجارية والأمنية التقليدية بين البلدين.
ويقول المؤرخ الملكي روبرت لاسي إن بريطانيا تتودد إلى ترامب عبر الأبهة الملكية، مدركةً إعجابه بالملكية البريطانية وبالملكة الراحلة إليزابيث الثانية، فضلًا عن ارتباطه الشخصي باسكتلندا موطن والدته.
توجيه الملك دعوة رسمية لترامب للقيام بزيارة رسمية ثانية سابقة غير معهودة في العلاقات الدولية. وقد أُرسلت الدعوة شخصيًا من الملك تشارلز، الأمر الذي اعتبره ترامب شرفًا استثنائيًا وأبرزه أمام عدسات الكاميرات.
الخطوة، كما يرى الخبراء، جزء من استراتيجية مدروسة لجعل الرئيس الأمريكي أكثر تقبلًا للمطالب البريطانية المتعلقة بالاتفاقات التجارية والدعم في مواجهة التحديات الجيوسياسية، وعلى رأسها الحرب في أوكرانيا.
ويتوقع أن برنامج الزيارة سيُنفَّذ وسط أجواء مبهرة تتناسب مع شخصية ترامب المعروف بحبه للمظاهر الفخمة.
وستبدأ الفعاليات بمراسم استقبال عسكرية تشمل عزف النشيدين الوطنيين للبلدين واستعراض حرس الشرف. بعدها، سيرافق الملك والملكة ضيفيهما في جولة بعربة عبر أراضي وندسور، حيث تصطف القوات المسلحة على جانبي الطريق.
وفي الداخل، ستُعرض أمام آل ترامب مقتنيات ووثائق تاريخية تجسد الروابط العميقة بين بريطانيا والولايات المتحدة، من الماغنا كارتا (أول وثيقة مكتوبة تؤسس لحكم القانون وتحَجّم صلاحيات الملك ونفوذه ) وحتى التراث الديمقراطي المشترك.
لكن ذروة الاحتفالات ستكون في المأدبة التي ستقام مساء الأربعاء، حيث يجلس الضيوف حول مائدة "ووترلو" العملاقة بطول نصف ملعب كرة قدم، والتي ستحفل بأدوات المائدة المطلية بالفضة والذهب والتي تضم آلاف القطع النادرة.
كما ستزيد التيجان والجواهر والشمعدانات العتيقة الأجواء ألقًا، لتكتمل صورة "دبلوماسية التيجان" التي يحرص الملك تشارلز على توظيفها في سبيل تقريب وجهات النظر وتعزيز الحوار.
ويؤكد المؤرخون أن هذا النوع من الضيافة الملكية لم يكن مجرد طقس بروتوكولي في عهد الملكة الراحلة إليزابيث الثانية، بل أداة لتحقيق التفاهم حتى في أصعب الأزمات. واليوم، يسير الملك تشارلز على النهج ذاته، مستغلا جاذبية الملكية البريطانية لفتح قنوات تفاهم جديدة مع ترامب.
ومن المقرر أن تستكمل المحادثات الرسمية في اليوم التالي، عندما يلتقي الرئيس الأمريكي رئيس الوزراء كير ستارمر في المقر الريفي لرئيس الوزراء البريطاني، في خطوة تعكس مزيجًا من الرمزية الملكية والدبلوماسية الواقعية، على أمل أن تسهم في تذليل الخلافات وتسهيل التفاهمات بشأن القضايا الدولية الكبرى.