سباق التهرب الجمركي في عصر ترامب.. خدع بمليارات تهدد التجارة النزيهة

مع تصاعد رسوم الرئيس ترامب الجمركية في الأشهر الأخيرة، تزايدت أيضًا العروض الغامضة التي تلقتها بعض الشركات الأمريكية، والتي تعرض عليها طرقًا للتهرب من الضرائب.
تواصلت شركات شحن متعددة الجنسيات، من داخل وخارج الولايات المتحدة، مع الشركات الأمريكية التي تستورد الملابس وقطع غيار السيارات والمجوهرات، عارضةً حلولًا، على حد قولها، من شأنها أن تلغي الرسوم الجمركية.
وبحسب نيويورك تايمز، جاء في إحدى رسائل البريد الإلكتروني الموجهة إلى مستورد أمريكي، "يمكننا تجنب الرسوم الجمركية المرتفعة من الصين، وهو ما فعلناه مرات عديدة في الماضي".
وفي رسالة أخرى، "تجاوزوا الرسوم الجمركية الأمريكية"، واعدةً بتحديد سقف للرسوم الجمركية "عند 10% ثابتة"، وأضافت، "اشحن براحة بال".
وأعلن آخر، "أخبار سارة! لقد تم إلغاء الرسوم الجمركية أخيرًا!".
وتعكس هذه المقترحات -المتداولة عبر رسائل البريد الإلكتروني، وكذلك في مقاطع الفيديو على تيك توك ومنصات أخرى- موجة جديدة من الأنشطة الاحتيالية، وفقًا لمسؤولين تنفيذيين في الشركات ومسؤولين حكوميين.
ومع ازدياد الرسوم الجمركية الأمريكية على المنتجات الأجنبية بشكل حاد في الأشهر الأخيرة، ازدادت تطلعات الشركات لإيجاد طرق للالتفاف عليها.
وتصف الشركات التي تُعلن هذه الخدمات أساليبها بأنها حلول فعّالة، فمقابل رسوم، تدعي هذه الشركات بأنها توجد طرقًا لجلب المنتجات إلى الولايات المتحدة برسوم جمركية أقل بكثير.
لكن الخبراء يقولون إن هذه الممارسات هي أساليب احتيال جمركي، فقد تتهرب الشركات من الرسوم الجمركية عن طريق تغيير المعلومات المتعلقة بالشحنات، تلك المعلومات التي يتم تقديمها للحكومة الأمريكية بعد التلاعب بها، تصبح مؤهلة لمعدل تعريفة جمركية أقل.
أو قد تنقل البضائع إلى دولة أخرى تخضع لرسوم جمركية أقل قبل شحنها إلى الولايات المتحدة، وهي تقنية تُعرف باسم إعادة الشحن.
وصرحت إدارة ترامب هذا الشهر بأنها ستركز بشكل أكبر على مكافحة الاحتيال التجاري، بما في ذلك التهرب من الرسوم الجمركية.
كما تحاول الإدارة إقناع دول أخرى بتكثيف جهودها في إنفاذ القانون، بما في ذلك في محادثات التجارة مع فيتنام والمكسيك وماليزيا.
لكن العديد من الشركات الأمريكية تقول إن حجم النشاط غير المشروع الآن يفوق بكثير قدرة هذه الحكومات على إحباطه.
ويقول مسؤولون تنفيذيون إن هذه المخططات قد تُكلف الحكومة الأمريكية مليارات الدولارات من عائدات الرسوم الجمركية سنويًا.
كما أنها تُشعر الشركات النزيهة التي تدفع الرسوم الجمركية بالإحباط والقلق العميقين من أن تُترك في وضع مالي غير مناسب أمام المنافسين غير النزيهين.
وقال ديفيد رشيد، الرئيس التنفيذي لشركة بلوز، وهي شركة لقطع غيار السيارات ناشدت الحكومة اتخاذ إجراءات صارمة ضد ممارسات التجارة غير العادلة التي يرتكبها منافسوها، "إذا لم يُتخذ أي إجراء، فإن الراغبين في الغش سيواصلون التفوق هنا".
وقال رشيد إن المنتجات المتداولة بشكل غير عادل قد تسربت إلى سلاسل التوريد في جميع أنحاء الولايات المتحدة، وأضاف، "من السهل خداع الناس، خاصةً إذا كانوا يحبون خداع أنفسهم".
ودائما بعد فرض الولايات المتحدة لتعريفات جمركية، تظهر خطط للتهرب منها، وتعود هذه الممارسات لزمن قديم، منذ أن هرّبَ الأمريكيون البضائع إلى الموانئ الخاضعة لسيطرة بريطانيا قبل إعلان وثيقة الاستقلال.
ولكن مع رفع ترامب للتعريفات الجمركية إلى مستوياتٍ غير مسبوقة منذ قرن، تقول الشركات إن الاحتيال الجمركي بلغ مستوياتٍ غير مسبوقة.
وفي أشهره الأولى في منصبه، فرض ترامب تعريفاتٍ جمركيةً بنسبة 10% على معظم المنتجات عالميًا، بالإضافة إلى تعريفاتٍ جمركية بنسبة 25% على الصلب والألمنيوم والسيارات.
كما رفع وخفض وعلّق التعريفات الجمركية على دولٍ مختلفةٍ دون سابق إنذار، مما وضع ضغوطًا شديدةً على الشركات التي تعتمد على التجارة.
وكانت الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب على الصين في أبريل/نيسان، قبل تخفيضها لمدة 90 يومًا، قاسية بشكل خاص على المستوردين.
وعلّقت بعض الشركات طلباتها في مواجهة الرسوم الجمركية، لكن يبدو أن الضرائب المحلية قد أثارت موجة من الاحتيال.
وصرحت ليزلي جوردان، وهي صانعة ملابس تعمل في هذا المجال منذ ما يقرب من أربعة عقود، بأن المخططات الاحتيالية أصبحت "متفشية" في قطاعها، حيث تقدم لها ولغيرها من المستوردين طرقًا غير قانونية بشكل واضح لتجاوز الرسوم الجمركية.
وقالت إن شركات شحن أجنبية عرضت لسنوات مساعدة مصانعها في التلاعب بنماذج الجمارك، قائلين لهم إن احتمالية ضبطهم ضئيلة لأن مسؤولي الجمارك الأمريكيين لن يفحصوا حاويات الشحن أبدًا.
ولطالما رفضت جوردان ذلك، لكن الرسوم الجمركية تُصعّب العمل على الشركات النزيهة مثل شركتها، بجعلها مدينة للحكومة بعشرات الآلاف من الدولارات كرسوم استيراد على بعض الشحنات.
وقالت جوردان إن الرسوم الجمركية شجعت "الانتهازيين من داخل وخارج الولايات المتحدة" ووضعت "العديد من الشركات النزيهة في وضع تنافسي غير مواتٍ".
وأضافت، "الناس لا يستطيعون تحمل ذلك، إنهم يائسون".
وقال كوش ديساي، المتحدث باسم البيت الأبيض، إنه "بدلاً من محاولة إيجاد حلول غير قانونية للرسوم الجمركية، سيكون من الأفضل للمصدرين الأجانب أن يطلبوا من حكوماتهم التفاوض على اتفاقية تجارية مع الولايات المتحدة".
ووصف جون فوت، المحامي الجمركي في شركة كيلي دراي آند وارن، ظاهرة الارتفاع في الاحتيال بأنه "مؤشر على دخول عصر الرسوم الجمركية المرتفعة".
وقال إنه تلقى العديد من الأسئلة البريئة من الشركات حول ما إذا كان بإمكانها استخدام ممارسات معينة لتجنب الرسوم الجمركية.
وفي كل مرة قال فيها لشركة، "لا، هذا احتيال جمركي"، وكان يوثق عدد من هذه الحالات على لوحة بيضاء في مكتبه، وحتى منتصف مايو/أيار، كان قد وثق بالفعل 11 حالة.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuOSA= جزيرة ام اند امز