طوابير المتوسلين لعقد صفقات التجارة.. حلم أمريكي منتهي الصلاحية!

في مناسبات عديدة، تحدث مسؤولون أمريكيون عن مساعٍ لعددٍ من الدول أملًا في عقد صفقة تجارية مع الولايات المتحدة قبل انتهاء مهلة الـ90 يومًا التي منحها الرئيس دونالد ترامب للشركاء من أجل الإفلات من براثن رسوم جمركية باهظة.
لكنّ محللين شككوا في أن ينتج عن تلك السياسة المتعجلة أي اتفاقات قادرة على الصمود والحفاظ على صلاحيتها على المدى الطويل، في ظل إعدادها على قاعدة الوقت لا المصالح الاستراتيجية.
وذكر تحليل نشرته مجلة "فورين بوليسي" أنه منذ أن أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن تعريفاته الجمركية فيما سماه "يوم التحرير" ضد بقية دول العالم، كانت هناك، وفقاً للبيت الأبيض، طوابير من المتوسلين طلبًا لعقد صفقات تجارية.
قائمة مختصرة.. طويلة!
وحتى القائمة المختصرة من هذه الدول طويلة، وعلى رأسها: الهند، وإسرائيل، واليابان، وكوريا الجنوبية، وفيتنام، وبريطانيا، وربما الاتحاد الأوروبي.
وهذه هي الدول والكتل الاقتصادية – وبعضها كبير – التي تسعى إدارة ترامب إلى التوصل معها لاتفاقات تتعلق بكل نقاط الخلاف التجاري خلال نحو 60 يومًا. وهناك حوالي 180 دولة أخرى في الانتظار.
وتتدافع العديد من هذه الدول لتكون في مقدمة الصف – فاليابان، على سبيل المثال، يبدو أنها سبقت الهند للحصول على أول صفقة، رغم أن قضايا قديمة مثل تجارة الصلب والسيارات قد تعقّد حتى الاتفاق مع أهم شريك أمني للولايات المتحدة في آسيا.
كوريا الجنوبية أيضًا تسعى إلى معاملة خاصة؛ أما أوروبا فقد عرضت شراء مزيد من الغاز الطبيعي لإرضاء ترامب، لكنها في الوقت نفسه استخدمت بعض أساليب الضغط.
وتجرى محادثات مع فيتنام – التي تُعد المعبر الرئيسي للبضائع المصنوعة في الصين إلى الولايات المتحدة – تحت تهديد فرض تعريفات جمركية تصل إلى 46%.
أما إسرائيل، التي تتمتع باتفاقية تجارة حرة مع الولايات المتحدة منذ عام 1985، فتدرس تقديم تنازلات إضافية للعودة إلى الوضع السابق.
وبريطانيا، التي كانت قد خضعت لكسب صفقة تجارية مع شريكها التجاري الصغير في واشنطن بدلاً من جارتها الأكبر في بروكسل، فقد تم دفعها إلى آخر الصف مرة أخرى.
صفقات حقيقية
تقول إدارة ترامب إن صفقات مع عشرات الدول قيد الإعداد، وذلك لتفادي أسوأ ما في التعريفات العقابية التي أُعلن عنها – ثم تم تعليقها لمدة 90 يومًا – في أو بعد 2 أبريل/نيسان.
لكن مهما كانت الترتيبات التي ستسفر عنها هذه المحادثات خلال هذه الفترة، فهي لن تكون صفقات تجارية حقيقية، بحسب تحليل فورين بوليسي. فالاتفاقات التجارية الحقيقية تستغرق سنوات من التفاوض، وتشمل قضايا فنية شديدة التعقيد، مثل المعايير الصحية للنباتات والطريقة المثلى لتربية الدواجن.
وقالت ويندي كاتلر، وهي مفاوضة تجارية أمريكية سابقة وتعمل الآن في جمعية آسيا: "السؤال هو: ماذا سيحدث بعد انتهاء فترة التهدئة البالغة 90 يومًا؟ أتصور أن البيت الأبيض سيعلن النصر بعد إبرام اتفاقيات إطار مع عدد قليل من الدول، وبعدها سيبدأ العمل الحقيقي. فحين يتعلق الأمر بالتجارة، تكمن الشياطين في التفاصيل."
وفي الواقع، هذه المحادثات هي "رايات بيضاء أولية" ترفعها الإدارة الأمريكية لتخفيف الأضرار التي تسبب بها ترامب بالفعل للاقتصاد الأمريكي، وإلى حد أقل، للاقتصاد العالمي. فحبه للتعريفات الجمركية أدى بالفعل إلى انكماش الاقتصاد الأمريكي في الربع الأول من هذا العام – وهو الاقتصاد الذي كان يتفوق على نظرائه حينها. وما تزال أسواق الأسهم والسندات في حالة توتر، وسوق النفط يعاني من صدمة.
ووفقا للتحليل، فإن جزء من المشكلة أن الدول الأخرى لا تعرف كيف تُرضي ترامب، الذي يرى في التعريفات وسيلة دائمة لتوليد الإيرادات، وأداة لإعادة التصنيع إلى الأراضي الأمريكية، ووسيلة ضغط في المفاوضات. فمِن أين تبدأ هذه الدول؟
وبعد لقاء أخير مع الممثل التجاري الأمريكي جيميسون غرير، أعرب السيناتور الجمهوري راند بول عن قلقه من النهج الفوقي الذي تتبعه الإدارة في المحادثات التجارية، قائلاً: "ذكّرني ذلك باجتماع حول السياسة الصناعية في الاتحاد السوفيتي، حيث عليك أن تكون لطيفًا مع القيصر، لأنه إن رضى عنك، يمنحك استثناءً من قبضة الحديد."
ويريد ترامب أن تشتري الدول الأخرى مزيدًا من السلع الأمريكية، رغم أنه تسبب في خسارة سوق زراعي صيني بقيمة 30 مليار دولار، ولا يمكن للولايات المتحدة بسهولة بيع مزيد من السيارات أو الشاحنات في الخارج بسبب متطلبات الانبعاثات واختلاف أذواق المستهلكين.
أما أوروبا، فرغم استعدادها لشراء مزيد من الغاز الأمريكي، فإنها لا تستطيع استيعاب الـ350 مليار دولار من صادرات الوقود الأحفوري التي يقترحها ترامب.
وقالت كاتلر: إذا كان الناس يتوقعون أن تُحل القضايا المتعلقة بالتعريفات خلال فترة التسعين يومًا، فسيُصابون بخيبة أمل... فقصة التعريفات مرجحة للاستمرار في إثارة المتاعب في المستقبل المنظور."