الافتراض القائل بأن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب سوف يدخل السجن مقيدا، في نهاية محاكماته، زائف إلى حد بعيد.
صحيح أنه "لا أحد فوق القانون"، ولكن القانون في الواقع هو جدار الحماية الأخير الذي يتكئ ترامب عليه.
لم يسبق لرئيس أمريكي أن حوكم باتهامات جنائية مثل التي يواجهها ترامب، سواء على المستوى الفيدرالي أو على مستوى الولايات. مما يعني أن كل ما يحدث هو سابقة يمكن أن تثير سجالا قانونيا.
ترامب يواجه أربع قضايا، الأولى في نيويورك بتهمة الاحتيال المصرفي والاحتيال الضرائبي والتزوير. والثانية، تتعلق بتحقيق من قبل مكتب المدعي العام في مانهاتن في أنشطة ترامب التجارية. والثالثة تتعلق بتحقيق الكونغرس في الهجوم على مبنى الكابيتول في 6 يناير 2021. وأما الرابعة فتتعلق باتهامات ابتزاز وأنشطة إجرامية منظمة من قبل المدعي العام في ولاية جورجيا للتأثير على نتائج الانتخابات.
القضايا الثلاثة الأولى "فيدرالية"، بما يعني أن العفو فيها لا يأتي إلا من جانب الرئيس الأمريكي.
ترامب هو الأوفر حظا للفوز بترشيح الحزب الجمهوري له. ولكنه ليس الأوفر حظا بالفوز بالرئاسة بالنظر إلى الانقسام داخل الحزب الجمهوري، وبالنظر إلى تأثير المحاكمات على اجتذاب الناخبين المستقلين لصالح مرشحه. وعلى الرغم من أن ترامب، في حال حدثت معجزة، فاز بالرئاسة، فإنه يستطيع بالفعل أن يصدر عفوا عن نفسه، ويواصل مهمته. ولكن حمايته الأهم لا تكمن هنا. وذلك حتى ولو بقي الرئيس جو بايدن في منصبه، وقرر ألا يعفو عنه.
القانون يمنح كل رئيس سابق حقوقا وامتيازات تجعل من سجنه أمرا مستحيلا إلى حد بعيد.
هذه الحقوق تشمل، فضلا عن امتيازات أخرى، حماية مدى الحياة من قبل جهاز الخدمة السرية، وهي أمر لا يمكن تحقيقه لصالح سجين في زنزانة.
الامتيازات التي تشمل معاشا تقاعديا مدى الحياة، تبلغ قيمته 205,700 دولار سنويًا، تمنح كل رئيس سابق الحق في أن يكون له مكتب وموظفون في واشنطن والحق في الوصول إلى بعض المعلومات السرية الحكومية، وأن يمارس نشاطات عامة. وهذه كلها يجب أن تتعطل، بالنسبة لسجين فقد حريته. وبالنسبة لرئيس سابق، تشكل حريته جزءا من شروط حمايته، فهي مما سوف يتطلب حكما من جانب المحكمة العليا. لأنها سابقة. ولأنها تتصل بسجين من نوع مختلف، يمنحه موقعه السابق الحق بأن يبقى محترما.
أقصى ما يمكن فعله، في حال الإدانة، هو أن يمضي ترامب بقية حياته، محميا ومحترما، في منزله، وليس في سجن.
بايدن نفسه، لن يستطيع تجاهل كتلة الناخبين التي بقيت تؤيد ترامب. أحد أهم واجباته هو المحافظة على وحدة المجتمع، وإنهاء فصل من فصول الانقسام المرير فيه.
الرئيس الأمريكي لا يستطيع أن يعفو عن سجين تمت إدانته في محكمة من محاكم الولايات الامريكية. ولكن حاكم الولاية يستطيع ذلك، لأنه بمنزلة الرئيس في ولايته.
القضية التي يواجهها ترامب في ولاية جورجيا تبدو عسيرة عليه من ناحية الأدلة ضده وضد نحو 30 شخصا آخرين من فريقه الخاص، بمن فيهم محاميه الشهير رودي جولياني. وتبدو الإدانة قريبة المنال، من جانب الادعاء العام. ليس لأن الأدلة كثيرة على ممارسات ضغوط فحسب، بل لأن هناك وثائق مزورة استخدمت في ممارسة هذه الضغوط أيضا.
هذه المحاكمة سوف تجرى في "ولاية جمهورية". ويحكمها جمهوري هو بريان كيمب، الذي تم انتخابه لأول مرة في عام 2018 وأعيد انتخابه في عام 2022.
كيمب ليس على وفاق مع ترامب. تساجلا بشأن الانتخابات كثيرا. وصار بينهما "ما صنع الحداد"، من الانتقادات. إلا أن نحو 80 بالمئة من الناخبين الجمهوريين، حسب بعض استطلاعات الرأي، يدعمون ترامب. ولن يمكن لكيمب أن يتجاهل هذه الكتلة من الناخبين، فلا يصدر عفوا عن ترامب في حال إدانته.
سوف يكسب كيمب مرتين: الأولى، بأنه فاز بالسجال عندما تتم إدانة الأعمال الخاطئة التي ارتكبها ترامب وفريقه. والثانية، عندما عفا عنه ليكسب القاعدة الجمهورية.
ترامب، ومن دون دراما، لن يذهب إلى السجن في النهاية.
الذين يبنون قصورا من الأوهام حول ما إذا كانت يدا ترامب سوف تقيدان، ويتم دفعه إلى زنزانة في سجن نائي، مع حشد من المجرمين الآخرين، إنما يمارسون أضغاث أحلام، لا علاقة لها بالواقع. كما لا علاقة لها بالقانون أيضا.
الرئيس، كائنا من كان، يجب أن يبقى محترما. تلك صفة كسبها مدى الحياة، ولن يعود بالإمكان سحبها منه.
الأمريكيون، ليسوا برابرة، لحسن الحظ. القانون يحميهم، كما يحمي رؤساءهم، ولو زلت بهم القدم.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة