لا يتحرك مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان من فراغ، ولقاؤه برئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان يعكس إدراكا أمريكيا لأهمية التنسيق وتبادل الرؤى مع رمز دولي مؤثر، قد يمكن أمريكا من إعادة صياغة توجهاتها، بما يخدم الأمن والاستقرار العالميين
وتزامنت زيارة "سوليفان" مع خطوات أمريكية لنشر قوات عسكرية في الخليج، في إطار ردع تهديدات إيران حول مضيق هرمز، واحتجاز السفن والناقلات، والمناورات الإيرانية قبالة الجزر الإماراتية الثلاث المحتلة، ما يجعل دور الإمارات في جهود أمن الخليج محوريًا، كونها تملك (أدوات الحل) باستباقية سياساتها التي دفعت بأجواء المصالحات على الصعيد الإقليمي، وتمهيدها طريق تصفير المشكلات، لإبعاد التوترات في المنطقة.
وأستذكر مقالي بتاريخ 10 يونيو 2023، بعنوان: (إعادة صياغة الضرورات الأمنية)، جاء فيه: "أمريكا مقبلة على انتخابات رئاسية عام 2024، وستكون السياسة الخارجية إحدى نقاط الضعف التي سيستغلها خصوم الديمقراطيين. ولهذا ستعيد واشنطن حساباتها في المنطقة".
وتدرك واشنطن أهمية التعاون مع أبوظبي، خصوصًا بعد انسحاب الإمارات من التحالف الأمني البحري، فالواقعية الإماراتية داعمة لجهود مكافحة الإرهاب والقرصنة بينما تمد جسور الحوار مع إيران، في سياسة عقلانية تمرحلت من الاتصالات الدبلوماسية إلى عودة السفير، وشهدت زيارة مهمة لمستشار الأمن الوطني، الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان إلى طهران، في مقاربة خففت التوتر في عدة ملفات إقليمية.
وتعي إدارة بايدن أنها ستحصل عبر الإمارات على مقاربات مختلفة لملفات المنطقة، بما فيها الحرب الروسية الأوكرانية، فتوازن الإمارات في علاقاتها الدولية جعلها على مسافة واحدة من إيران وإسرائيل، في منطقة تحتاج للتهدئة والسلام، أو المقاربة بين روسيا والولايات المتحدة، لو علمنا العلاقة المتينة بين الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين بشكل خاص، ومن جهة أخرى مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلنسكي، ما قد يضع واشنطن في وضعية تساعدها على النظر إلى ملفاتها العالقة من زاوية مرنة، فعلاقة أبوظبي مع موسكو وكييف، قد تنجح في تبادل الرسائل والوساطات، لو كانت هناك نوايا صادقة من أطراف الصراع.
ويبقى التساؤل المهم حول سر عودة الحضور العسكري الأمريكي في الشرق الأوسط، بعد أن قلصت واشنطن حضورها منذ عهد باراك أوباما، لتنتقل إلى مواقع أخرى مرتبطة بصراعها مع الصين، فهل فشلت سياسة الفراغ الأمني التي أرادت بها دفع حلفائها في الخليج إلى زاوية القلق؟ أو أدركت أنها بسياستها الضبابية قد دعت حلفاءها إلى بدائل أمنية مختلفة؟ ما جعل بكين وموسكو أقرب إلى المنطقة من أي وقت مضى.
وكيف نفسر ازدواجية المعايير في تحركات إدارة بايدن التي تنشر تعزيزات عسكرية مكثفة في الخليج، ثم تسلم إيران 6 مليارات دولار، مقابل الإفراج عن خمس رهائن أمريكيين، في خبر مفاجئ لم تطلع به واشنطن الأطراف الدولية المهتمة بالاتفاق النووي، وكأنها دعاية إعلامية تحقق مكاسب انتخابية عبر ملفات الإفراج عن الرهائن، وتعكس نوايا لتجميد المفاوضات إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية، ما يعني نجاح إيران في تطويل أمد المفاوضات، والاقتراب أكثر إلى السلاح النووي.
ستبقى مقومات منطقة الشرق الأوسط الجيوسياسية في صلب القوى الكبرى، ولم تنجح محاولات تمزيق المنطقة وتهميشها، وسيظل مضيق هرمز في قوته من الأهمية لأكبر منطقة منتجة للنفط في العالم، وتصل إمداداتها إلى تجارة النفط العالمية، ويمر عبرها نحو 10% من إجمالي واردات الولايات المتحدة شهريًا. ولذلك نتساءل، إن عاد الشرق الأوسط (فعليًا) إلى دائرة الاهتمام الأمريكي عبر بوابة أمن مضيق هرمز؟.
يتميز الحراك الدبلوماسي الإماراتي بقدرته على تنويع العلاقات والمصالح مع دول العالم في الشرق والغرب، إلى جانب العلاقة التاريخية والمصالح المشتركة مع الولايات المتحدة، وما تشهده الإمارات من مرحلة ذهبية تمتاز بمرونتها وفاعليتها وديناميكيتها بحسب متغيرات الأحداث، قادرة على الانفتاح والنهوض بالتنمية بشكل مدروس واستراتيجي ومتوازن، في ظل عالم متغير ويتجه نحو تعددية الأقطاب، ما يجعل التنوع ميزة قوية في العلاقات الدولية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة