لسنا بحاجة إلى استدعاء حكايات الفرس والأحباش والأتراك في اليمن، فلقد اعتاد اليمنيون استجلاب القوى الخارجية ثم التهام لحمهم ورمي عظامهم فهذه صفتهم عبر التاريخ القديم.
هنا لحظة استدارة إلى مشهد قريب يدلل على ما يجيد اليمنيون صنعه بمن حولهم، فبالنظر إلى صورة الزعيم جمال عبدالناصر والملك فيصل بعد نكسة عام 1967 في الخرطوم وكيف أن الرجلين نفضا أيديهما من اليمن ولم يحصدا شيئاً غير أنهما خسرا معاً كما خسرت الأمم من قبلهما.
تسابقت الأمم المتحدة والبيت الأبيض والدول القريبة والبعيدة عن اليمن لتزف خبر اكتمال تفريغ السفينة "صافر" باعتبار أنها أنقذت العالم من انفجار لغم نفطي كان قابلاً للانفجار.
الجميع يبحث عن مكسب إعلامي في حرب معجونة فلم يعد أحد يعرف في هذا الصراع منفذاً للخروج وبات الاكتفاء بإعلان الفوز الوهمي منجزاً تتسابق عليه جميع القوى وتمضغه في وسائلها الإعلامية تماماً كما يمضغ اليمنيون القات في أفواههم، كل هذا ليس فيه استنقاص لعملية تفريغ سفينة نفط متهالكة بمقدار ما هو محاولة توصيف المشهد الدرامي لحقيقة ما يحدث وما سيحدث إن مضت الأمور كما هي.
انتهزت جماعة الحوثي سفينة "صافر" وحوّلتها لنقطة استنزاف سياسية رغم أنها تتحمل مسؤولية عدم صيانتها من بعد الانقلاب في سبتمبر/أيلول 2014.
هدف الجماعة كسب أيّ اعتراف بها مهما كانت صفته وهذا ما لعب عليه الحوثيون ضمن مناوراتهم مع القوى الدولية في أعقاب اتفاق ستوكهولم الذي أوقف تحرير مدينة الحديدة منهم، تحويل السفينة النفطية لقضية رأي عام دولي أتاح هذه الفرصة التي وظفت لأغراض سياسية بحتة، ففيما كانت الأمم المتحدة والدول الإقليمية تخشى الأضرار المحتملة من تسرّب الحمولة النفطية كانت جماعة الحوثي تحصل على مكاسبها.
أُفرغ نفط "صافر" إلى سفينة مستأجرة اسمها "نوتيكا"، و"كأنك يا زيد ما غزيت"، فهذا يعني استمرار جمع الأموال للصيانة، وهذا يعني بقاء الملف السياسي كما هو عليه، كان من الأجدر التفكير ببناء خزانات نفطية دائمة في المناطق الخاضعة ولو جزئياً لسلطة ما يفترض أنها الشرعية في المخا، الحكومة لا تفكر في ذلك فهي أيضاً من المستفيدين من الابتزاز للمجتمع الدولي فهي تستفيد من التمويلات لعمليات النقل والصيانة.
المسلسل الدرامي الطويل وإن انتهت حلقته الأخيرة كما احتفت الأمم المتحدة وشركاؤها الدوليون وتصدرت "صافر" نشرات الأخبار وتنفس المشاهدين الصعداء فإن الكل مدعو لبدء مسلسل آخر عنوانه "طربال تعز"، وهذه قضية أخرى لا معنى لها في الواقع لكنها ضمن أجندات التسوية السياسية للأزمة اليمنية كما تذاع وتسوّق.
الطربال وهو قماش من البلاستيك يقطع مدينة تعز ويفصل بين ما يفترض أنه جزء خاضع للشرعية وآخر خاضع لجماعة الحوثي، هكذا ببساطة قطعة من القماش تصوّر على أنها ستار حديدي يتكبد من أجله ملايين السكان يومياً العناء للالتفاف حوله ويتم التفاوض السياسي والوساطة الدولية من أجل إيجاد حل لقطعة من القماش.
تعز وهي الخزان البشري الأضخم في جزيرة العرب تخضع لسلطة جماعة الإخوان بكل أيديولوجيتها وتوجهاتها العقائدية والسياسية، وتشهد المدينة مسيرات من كل نوع تندد وتشجب وتؤيد ودائماً الحشود لا تقترب من الطربال.
سيدخل المجتمع الدولي في تفاصيل سمجة حول قضية لا معنى لها، ومع ذلك سيجد نفسه غارقاً فيها، فالحوثيون والحكومة اليمنية يستهوون حياكة هذه التفاصيل التي ستوفر الأموال للفاسدين وللبلداء.
ما يجري في اليمن أكبر من مجرد ثقب أسود وأسوأ من سقوط سياسي إنه سقوط أخلاقي مريع.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة